مقال: نخبة ساقطة ومأزومة!

مؤمن بسيسو

تنضح الساحة السياسية المصرية كل يوم بكل ما هو "مؤذ" و"مقزز" وما لا تستسيغه –بحال- العقول الواعية والفكر المتزن والفطرة السليمة.

هجوم عنيف وتحريض أعمى بلغ حدّ الحرب المفتوحة تشنه بعض الأوساط الليبرالية واليسارية على الرئيس المصري محمد مرسي وعلى جماعة الإخوان المسلمين، وتنعتهما بأوصاف جارحة وخارجة عن كل أساليب اللياقة الأدبية والأخلاقية والسياسية.

يستطيع "الإخوان" أن يدافعوا عن أنفسهم، فلهم رموزهم وناطقوهم ومنظروهم الكُثْر، لكن حال الانقلاب السياسي والإعلامي الذي ينفذه البعض في مصر ممن يتسمّون بـ"النخبة" ضد الرئيس مرسي تمهيدا لانقلاب حقيقي برسم المجلس العسكري بأدواته "الدستورية" و"القضائية"، الزائفة والمصطنعة، يثير تساؤلات عاصفة عن مدى وطنية ومصداقية النخب الليبرالية واليسارية التي تمارس –معظمها- اصطفافا خطيرا إلى جانب العسكر والدولة العميقة التي يحكمها نظام مبارك الذي رحل جسدا ولم يرحل فكرا وسياسة ومنهاجا.

في تونس عاشت الساحة السياسية تجربة الشراكة الوطنية التي ائتلف فيها الإسلاميون مع الليبراليين واليساريين، وتجاوزت بها البلاد أزمة تناقض البرامج والأجندات لجهة إعلاء القيم والقواسم المشتركة، ولم تعد هناك مشكلة مطروحة بنكهة أيديولوجية صارخة بين التيار الإسلامي والتيارين الليبرالي واليساري رغم بعض الاختلافات والتباينات.

وهكذا انعزلت كل النخب التونسية المعارضة التي تعمل خارج نطاق الشراكة لتكتسي مناكفاتها طابعا سياسيا وشخصيا بعيدا عن الطابع الأيديولوجي العام، ودون الوقوع في فخ الصدام بين الفكرة الإسلامية ونظيرتها العلمانية، وبالتالي تقسيم المجتمع بين فسطاطين لا يلتقيان.

في مصر الصورة مقلوبة تماما، إذ أن أكثرية النخب الليبرالية واليسارية دفعت البلد إلى معركة مبكرة في المرحلة الأولى التي أعقبت نجاح الثورة بين التيار الإسلامي والتيار العلماني تحت عنوان التخويف من وهم الدولة الدينية، واستمرت في نهجها العابث حتى ما بعد فوز مرسي بالرئاسة مؤخرا، متوسلة بوسائل إعلام يهيمن عليها أنصار مبارك والأعداء التقليديون للتيار الإسلامي.

مشكلة كثير من النخب الليبرالية واليسارية المصرية أنها تتناقض مع شعاراتها المرفوعة ومبادئها المسجلة، وتبيح لنفسها هتك قيم الثورة وامتهان المبادئ الديمقراطية والانقلاب على كل الأخلاقيات المهنية والأصول الوطنية بحجة مواجهة مرسي والإخوان، متدثرة برداء الحفاظ على مدنية الدولة المصرية وشرعتها الدستورية.

مصر تقدم اليوم نموذجا بائسا وساقطا ومأزوما للنخبة الليبرالية واليسارية التي انفصلت عن قيم وثقافة الأمة، وارتضت أن تكون أداة لتمزيق شعبها وإفشال تجربة تحوله الديمقراطي بعد الثورة، ووقودا لإشعال نار الفتن بين التيارات الفكرية والسياسية بما لا يخدم إلا مصلحة أعداء الأمة وكارهي عزّها ونهضتها.

أداء الرئيس مرسي يسكب الطمأنينة في النفوس، ويراعي الالتزام بالقانون والدستور والمصلحة الوطنية المصرية في كل صغيرة وكبيرة، لكن ذلك ليس كافيا من زاوية نظر الكثير من النخبة الليبرالية واليسارية التي هدد بعضها بحرب مفتوحة ضد مرسي والإخوان، لا لشيء إلا لإشباع نزوة الحقد المعتملة في قلوب لا تختزن بين طياتها سوى السواد.

المواجهة بين الديني واللاديني، أو التيار الإسلامي والتيار العلماني، مواجهة "مفتعلة" وفي غير محلها، ولا تخدم ربيع الثورات العربية، ولا تصب إلا في صالح أعداء الأمة، وخصوصا في ظل النضج الكبير الذي طرأ على الفكر والسلوك السياسي لمعظم الحركات الإسلامية في المنطقة العربية.

الفرز أوضح ما يكون اليوم بين النخب العلمانية التي تعمل ضمن قيم الأمة وثوابتها ومصالحها العليا، وبين النخب العلمانية الأخرى التي أثبتت مجاري الأحداث دجلها وسقوطها وزيف شعاراتها وأفكارها ومدى الخطر الذي تحمله على حاضر الأمة ومستقبل شعوبها.

البث المباشر