سكبت السيدة منى سليمان القليل من زيت الذرة الأصفر في جالون متوسط الحجم بداخلة القليل من الدقيق والمكونات الأخرى المساعدة في إعداد كعك العيد الذي يعد موروثاً ثقافياً لدى المسلمين عشية قدوم عيد الفطر كل عام.
وكانت السيدة منى في الأربعينيات من العمر تعد عجينة الكعك على مرأى أفراد من أسرتها وجاراتها الذين انشغلوا في تحضير التمر والأواني عقب تناول طعام السحور في مدينة رفح المتاخمة للحدود مع مصر.
وبحركة لا تخلو من اليقظة بفعل الممارسة السنوية بدأت السيدة منى تقطيع عجينة الكعك تمهيداً لحشوها بالتمر من قبل بعض من أفراد أسرتها وجاراتها.
ومعظم معدو هذا المورث الثقافي داخل المنازل يكونون من النساء في أغلب الأحيان.
لكن نجل السيدة منى ويدعى فؤاد (17 عاماً) أصر على تولى مسؤولية طهي الكعك بدافع مساعدة والدته على إنهاء هذا العمل الشاق الذي استمر لسبع ساعات.
"تبدأ الفلسطينيات في إعداد هذا الكعك في العشر الأواخر من شهر رمضان
"
وكانت تلك السيدة تعد ثلاثين كيلو من الكعك البيتي مثل ما تفعل كل عام رغم تزايد عدد أحفاد تلك الأسرة.
وتكلفة هذه الكمية وصلت لحوالي 250 شيقلاً (60 دولار أمريكي) وفق تقديرات السيدة منى المعروف عنها مساعدة أقربائها وجيرانها في إعداد كعك العيد.
وتبدأ الفلسطينيات في إعداد هذا الكعك في العشر الأواخر من شهر رمضان وتلك الأيام مخصصة للتعبد والتقرب من الله.
وتنشر رائح الكعك في الأزقة والمخيمات في معظم أنحاء قطاع غزة خلال ساعات المساء وحتى ساعة الصباح الأولى.
ومثل هذا الوضع قائم في الدول العربية والإسلامية بالنسبة لإعداد كعك العيد.
وفاجأت السيدة منى سليمان محدثها بمثل مصري قديم "بعد العيد ما يتفتلش الكعك" في إشارة إلى ارتباط هذا الطعام بالعيد لدى المسلمين.
وتقول "الكعك الذي نصنعه راح يظل طول عمره أهم حاجة في العيد (..) انظر كيف يعمل الجميع دون كلا أو ملل".
بينما قالت غالية قشطه التي كانت تساعد جارتها "لا أتصور عيد الفطر دون الكعك لأنة أول حاجة أفطر عليها بعد صلاة العيد".
وفي ظل التطور التكنولوجي في مختلف المجالات والصناعات إلا أن النساء الفلسطينيات لازلن يقبلن على عمل هذا المورث الثقافي عن الأبناء والأجداد.
"في الأسواق المحلية في قطاع غزة يصل ثمن الكيلو الواحد من الكعك إلى 16 شيقلاً
"
واكتفى تحسين يونس صاحب مخبز في رفح بالقول "سوق الكعك لا زال محدود في رفح في ظل ارتباط النساء بعمله".
وفي الأسواق المحلية في قطاع غزة يصل ثمن الكيلو الواحد من الكعك إلى 16 شيقلاً أي ما يعاد (أربع دولارات أمريكية).
والكعك مكون من دقيق وسميد وتمر وزيت ومكونات أخرى توضع أثناء إعداد الخلطة من قبل النساء أو أصحاب المخابز.
وأسعار تلك المكونات متفاوتة في السوق المحلية إذ بإمكانك أن تصنع كيلو كعك بنصف ثمنه في السوق المحلية لكن الطعم سيكون مختلف وفق ما يقول يونس.
وفي مدينة غزة التي تعد عاصمة القطاع الساحلي وأكثر مدنه تمدنناً يوجد إقبال كبير على شراء الكعك من قبل المخابز هناك.
ويصطف مواطنون كثر أمام مخبز الدهشان الشهير على أطراف مدينة غزة القديمة من الجهة الجنوبية للحصول على كعك العيد.
ويقول ضياء النديم أثناء انتظاره شراء الكعك "العيد هالأيام مش زى عيد زمان لما كنا أطفال .. زمان كان أمي وعماتي وخالتي وجيرانهم يتجمعن ويعملن كعك العيد بس بنات اليوم بدهن كعك جاهز".
ويرى الموظف في حكومة رام الله محمد عبد اللطيف أن الكعك يشكل عبئا على ميزانية الأسرة خاصة أن الميزانية قد تم تدميرها خلال شهر رمضان في ظل غلاء المعيشة وأسعار المأكولات والمشروبات بشكل عام.
وتعد الاحتفالات بالعيد في عهد الدولة الفاطمية ذات طقوس خاصة ما زالت آثارها في مصر وبلاد الشام.
وقد سبقت الدولة الإخشيدية الدولة الفاطمية في العناية بكعك العيد، حتى إن أحد الوزراء الإخشيديين أمر بعمل كعك حشاه بالدنانير الذهبية، وأطلق عليه اسم "افطن له" وتم تحريف الاسم إلى "أنطونلة".. وتعد كعكة "أنطونلة" أشهر كعكة ظهرت في عهد الدولة الإخشيدية، وكانت تقدم في دار الفقراء على مائدة طولها 200 متر وعرضها 7 أمتار.
ووصل اهتمام الفاطميين بالكعك إلى الحد الذي جعلهم يخصصون ديوانا حكوميا خاصا عرف بـ"دار الفطرة"، كان يختص بتجهيز الكميات اللازمة من الكعك والحلوى وكعب الغزال، وكان العمل في هذه الكميات يبدأ من شهر رجب وحتى منتصف رمضان استعدادا للاحتفال الكبير الذي يحضره الخليفة.
وانعكست الفنون الإسلامية على أشكال الكعك، فصنعت له القوالب المنقوشة بشتى أنواع الزخارف الإسلامية لا سيما الهندسية والنباتية منها وكانت بعض هذه القوالب على هيئة أشكال الحيوانات والطيور.
واكتفت السيدة منى سليمان عندما عرفت قدسية كعك العيد في عهد الدولة الفاطمية والإخشيدية بالقول "العيد بلا كعك ليس له طعم".