منذ أن وجدت السلطة الوطنية على الساحة الفلسطينية والحديث عن وجود مصالح مشتركة تربطها بالحكومة (الإسرائيلية) لا ينتهي نتيجة لالتزامها بالاتفاقات السياسية والأمنية الموقعة بينهما ومن أبرزها اتفاق أوسلو الذي أفرز سياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال في الضفة الغربية, فلماذا تتعاون السلطة أمنيا مع (إسرائيل)؟.
وبلغ التنسيق في عام 2010 مراحل متقدمة وغير مسبوقة منذ توقيع اتفاقية أوسلو, فامتدح رئيس الشاباك يوفال ديسكين عمليات الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة ضد المقاومة الفلسطينية بالضفة وتحديدا حركة حماس، وأشار إلى أن تلك العمليات وصلت أعلى درجة لها منذ 16 عاما.
مصالح مشتركة
خبراء أمنيون ومتخصصون بالشأن السياسي الفلسطيني أكدوا أن السلطة الفلسطينية مبنية على مشروع تواصل التنسيق الأمني مع (إسرائيل) برعاية أمريكية, منوهين إلى أن التنسيق وصل لمرحلة التعاون المتين بين الطرفين للقضاء على المقاومة.
"الشرقاوي: السلطة لن تدرك خطورة التنسيق نظرا لوجود مصالح مشتركة
"
ويؤكد الخبير الأمني يوسف الشرقاوي من بيت لحم بالضفة الغربية لـ"الرسالة نت" أن السلطة لن تدرك خطورة التنسيق الأمني مع (إسرائيل) نظرا لوجود مصالح مشتركة بينهما, قائلا: "اتفاق أوسلو انتهى ولم يبق منه سوى بند التنسيق الأمني الذي (إسرائيل) بحاجة له, فمن يدرك أن التنسيق يفيد الشعب الفلسطيني بالضفة فهو مخطئ وعليه أن يكف عن تلك الحجج الواهية".
أما الخبير الأمني نعيم بارود فيؤكد أن التنسيق الأمني ليس بالجديد على الشعب الفلسطيني, متابعا: "التنسيق فرض نتيجة لظروف الاتفاقات بين (إسرائيل) والسلطة على مدار التاريخ السابق منذ أوسلو التي ألزمت السلطة بأن تكون حارسا لـ(إسرائيل)".
ويعد اتفاق أوسلو عام 1993 من أبرز الاتفاقات الذي بنت على أساسه السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع (إسرائيل) بحجة استتباب الأمن والاستقرار بالمنطقة.
"بارود: التنسيق الأمني ليس بالجديد بل فرض نتيجة لظروف الاتفاقات
"
إجحاف وظلم
وجاء تكليف جنرال آخر بديل عن دايتون للإشراف وتدريب الأجهزة الأمنية بالضفة ليظهر أن عباس وسلطته موقعان وملتزمان بتعهدات مع الإدارة الأمريكية والحكومة (الإسرائيلية) بشأن تعزيز التنسيق الأمني وعدم اقتصاره على فترة زمنية محددة.
كما إن للتنسيق الأمني صورا متعددة أبرزها عمليات الاعتقال التي تنفذها الأجهزة الأمنية وجيش الاحتلال بحق أبناء حركة حماس بالإضافة إلى تتبع عناصر المقاومة من كل الفصائل وتفكيك مجموعاتهم وتقديم معلومات عنهم للاحتلال مرورا بإغلاق المؤسسات الخيرية وإعادة الصهاينة الذين يدخلون "خطأً" للأراضي الفلسطينية، وليس انتهاءً بالتفاخر بإحباط عمليات استشهادية خططت لها المقاومة.
الخبير الأمني الشرقاوي يعود في السياق ليشير إلى أن تاريخ التنسيق الأمني بين (إسرائيل) والسلطة يمثل ظلما وإجحافا للشعب الفلسطيني الذي ما يزال تحت الاحتلال, قائلا: "كيف ننسق مع العدو ونحنا ما نزال محتلين، فالشعب الفلسطيني الشعب الأول المحتل الذي يعمل وينسق مع عدوه من أجل مساعدته وتقديم المعلومات له حول المقاومة وغيرها من القضايا (...) هذا يمس الكرامة الوطنية للفلسطينيين".
كما يوضح الخبير بارود أن التنسيق الأمني جعل ضباط السلطة وكلاء أمنيين لـ(إسرائيل) في الضفة, متابعا: "عمليات التنسيق وصلت لذروتها فقد كان يجري التنسيق بين الضباط (الإسرائيليين) والفلسطينيين داخل المواقع والأراضي الفلسطينية وهذه كارثة بحق القضية".
"سلطة رام الله نفذت أكثر من 3000 حالة اختطاف على خلفية سياسية
"
وكشفت الحكومة (الإسرائيلية) ضمن تقريرها الذي قدمته أمام «لجنة ارتباط الدول المانحة» في بروكسل عن أن أجهزة الاحتلال نفذت 2968 عملية مشتركة مع قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية سنة 2010 مقارنة مع 1.297 عملية سنة 2009، أي بزيادة بنسبة 129%, كما عقدت 686 اجتماعا مشتركا معها سنة 2010 مقارنة مع 544 اجتماعا سنة 2009، أي بزيادة بنسبة 26%.
كما اتهم تقرير أصدره «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» في وزارة التخطيط الفلسطينية بقطاع غزة السلطة في رام الله بتنفيذ أكثر من 3000 حالة اختطاف على خلفية سياسية خلال 2010, وذكر أن نحو 1404 من حالات الاعتقال كانت لمحررين، "ونحو 49 لأئمة المساجد، ونحو 24 لأساتذة الجامعات".
ثقة عالية
وهناك تقرير إستراتيجي فلسطيني يظهر في سياق متصل أن للولايات المتحدة دورا فعالا في تنمية التنسيق وتعزيزه بتقديم المساعدات المالية للسلطة والإنفاق بسخاء على مهمة المنسقين الأمنيين لديها في الضفة, فقد قد رصدت واشنطن 150 مليون دولار للسنة المالية 2011.
كما تبين إحدى الوثائق التي حصلت عليها “الجزيرة” وهي مؤرخة في التاسع من يونيو 2009 وتغطي التعاون الأمني في الفترة ما بين فبراير 2008 حتى مايو 2009 وجاءت تحت عنوان “النجاحات الأمنية للسلطة الوطنية” وتم تقديمها للجانب (الإسرائيلي) لإثبات نشاط السلطة أن هذا التواصل والتعاون بين الفلسطينيين و(الإسرائيليين) لم يقف عند حدود الضفة الغربية، فالوثائق تظهر دعوة من قيادة السلطة إلى الجانب (الإسرائيلي) لتشديد الحصار على قطاع غزة، ولعل ذلك يؤدي إلى زعزعة سيطرة حركة حماس على القطاع.
ويتابع الشرقاوي في هذا الصدد حديثه: "التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية بالضفة والاحتلال أدى إلى بناء علاقات وطيدة وثقة عالية بين الطرفين", متابعا: "ما يدل على أن التنسيق أخطر بكثير من تداعيات المفاوضات أنه جزء لا يتجزأ من مشروع التسوية مع الحكومة (الإسرائيلية) اليمينية المتطرفة".
ويوضح الخبير الأمني أن الشعب الفلسطيني وحقوقه أهم بكثير من مصالح السلطة, مضيفا: "السلطة وهم كبير فهي حتى اليوم لم تستوعب معنى التنسيق الأمني مع العدو وأنه فرض عليها مقابل تلقي صدقات من المجتمع الدولي لاستمرار تنسيقها مع الاحتلال, مؤكدا أن السلطة معنية باستمرار التنسيق مع الاحتلال لوجود مصالح مشتركة بينهما تتحقق التبر نسيق.
أما بارود فيقول: "(إسرائيل) مهتمة بالتنسيق مع السلطة في درجة أولى من مستوى علاقاتها معها حتى وصلت لعلاقات شخصية بين الضباط (الإسرائيليين) والفلسطينيين ما يؤدي إلى استمرارية التنسيق ونجاحه بالضفة", مشددا على أن السلطة لن تتخلى عن التنسيق الأمني مع (إسرائيل) لأنه يمثل جزءا مهما من كينونة السلطة واستمراريتها بالضفة.