الاكتشاف "المذهل" الذي أتحفنا به أمن السلطة في الضفة الغربية لملجأ سري تابع لكتائب القسام في مدينة نابلس لا يشكل عيبا أو نقيصة بحق حماس والقسام بل يشكل فضيحة الفضائح للسلطة الفلسطينية في رام الله وأجهزتها الأمنية.
المقاومة خط أحمر، والتجرؤ عليها خط أحمر، والعبث بشرفها وطهرها ونقائها خط أحمر، لأن المقاومة –ببساطة- هي حبل نجاة الوطن وأداة إنقاذه الوحيدة من براثن الاحتلال، ولأن المقاومة هي نقطة الفعل والارتكاز الأولى والأكثر أهمية في سياق مسيرة التحرر الوطني الفلسطيني أولا وأخيرا.
عندما يتعلق الأمر بالمقاومة فإننا نشعل أضواء التحذير الحمراء، فالمساس بالمقاومة ورجالاتها هو مساس بحق شعبنا في الحرية والاستقلال والانعتاق من الاحتلال، وتكريس مشين للتبعية والالتحاق الكامل وربط المصير بالاحتلال.
مصيبة المصائب التي نعيشها اليوم هي تعطل المقاومة بفعل أوسلو والتنسيق الأمني والانقسام الداخلي، وهي مصيبة كبرى لا زلنا ندفع ثمنها الباهظ –كفلسطينيين- يوميا في مختلف المجالات.
جاء في الأثر: إذا بُليتم فاستتروا، وها هنا فإن السلطة وأجهزتها الأمنية لم تستر سوءاتها وتخفي عوراتها بل بلغت بها الوقاحة مبلغها باجتراح التفاخر على رؤوس الأشهاد، وسلوك سبل الفبركة وتلفيق الاتهامات بحق المقاومة والمقاومين.
ألا تحوي السلطة وأمنها عقولا ناضجة وأهل وعي ينبئونها بأن رواية "السجن السري المقام بداعي الانقلاب" هي رواية ساقطة ومعزوفة ممجوجة لا تنطلي على أحد، وأنها مجلبة للعار والسخط الشعبي، وأنها أوضح ما تكون في قلب سلسلة فضائح التنسيق الأمني مع الاحتلال التي تواصل السلطة الغرق في بلاويها حتى النخاع؟!
من أردأ وأسقم ما سمعت ما تفوه به جمال نزال أحد ناطقي حركة فتح حين أعرب عن ارتياح حركته بعد "نجاح القوات الفلسطينية في تعرية حركة حماس وفضح قصة تعاونها في مجال التسلح مع الاحتلال عبر كشف واحد من سجونها السرية"، مطالبا الدول الأوروبية بـ"الضغط على إسرائيل لدفعها للتخلي عن سياسة تسليح حماس"؟!
لا يضير كتائب القسام انكشاف أمر مخبأ من مخائبها التي تم إعدادها خصيصا لأسر جنود (إسرائيليين)، أو للتخفي بعد تنفيذ عمليات ضد جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين حسب مصادر الاحتلال، فهذا قدرها وطريقها المجبول بالدم والتضحيات، ولا خيار لها سوى العض على الجراح والاستمرار على طريق المقاومة بما تيسر من أدوات وإمكانيات في ظل ظروف الواقع وتحدياته القاسية المعروفة.
فضيحة فضائح السلطة ضد كتائب القسام في الضفة تنكأ فينا جرح الانقسام البغيض الذي أحال مشروع المقاومة إلى مشروع محارب عند البعض، وخاضع للحسابات واعتبارات المصلحة لدى البعض الآخر، وهو ما يدعونا اليوم إلى إعادة بلورة رؤية وطنية جديدة أكثر دقة وشمولية لإعادة الاعتبار لمشروع المقاومة في ظل المتغيرات الإقليمية التي حملها الربيع العربي.
نحن أحوج ما يكون اليوم إلى إعادة المقاومة إلى رأس الأولويات وصدارة الأجندات على الساحة الوطنية، والدفع باتجاه إعادة صياغة الواقع الفلسطيني الداخلي والنظام السياسي الفلسطيني ككل على قاعدة إعطاء الأولوية لمشروع التحرر الوطني، وتغليب الرؤية والمصلحة الوطنية الجامعة على كل الرؤى الانقسامية والمصالح الانفصالية.
في كل الأحوال، فإننا ندعو إلى بناء حالة مقاومة راشدة ذات فائدة، تعمل وفق مقتضيات المصلحة الوطنية العليا، وتحسن الموازنة بين المفاسد والمصالح، وتعرف متى تصمت حين كثافة الأخطار، ومتى تعمل بالأداة المناسبة في الوقت المناسب.