منذ اليوم التالي لتوقيع اتفاق التهدئة بين المقاومة في غزة والاحتلال (الإسرائيلي) بواسطة مصرية ومشاركة دولية قفز سؤال: إلى متى يمكن أن تصمد التهدئة؟ الى اذهان الفلسطينيين و(الاسرائيليين) على حد سواء وعلى ما يبدو فإن محاولة تخمين وتوقع عمر التهدئة الحالية في هذا التوقيت مهمة صعبة حيث بالكاد انقشع دخان المعركة.
وأمام بقاء أسباب تفجر المواجهة الاخيرة من خلال العدوان (الإسرائيلي) وتصدي المقاومة, تبقى فرص استمرار التهدئة لفترات طويلة مسألة صعبة، خصوصا إذا كان الحديث عن سنوات وليس اشهرا من عمرها, لكن مجموعة من العوامل دخلت على بيئة المواجهة وشروط التهدئة تجعل فرص صمودها لفترة زمنية تتجاوز الشهور امرا واقعيا على ضوء المغيرات الداخلية سواء في الكيان او المقاومة من جانب، وفي ظل المعطيات الاقليمية والدولية من جانب اخر.
"مجموعة عوامل دخلت على بيئة المواجهة وشروط التهدئة تجعل فرص صمودها لفترة زمنية أمراً واقعاً
"
ويجتهد ماثيو ليفيت وهو مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة "الإرهاب" في معهد واشنطن بتوصيف واقع التهدئة الحالية وفرص استمرارها، مشيرا الى ان وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية سوف يستمر مع مساعدة أمريكية لبعض الوقت، ولكن دون متابعة دبلوماسية قوية من المرجح أن يدوم فقط للفترة التي تحتاجها «حماس» لإعادة التسلح.
ويطرح ليفيت التساؤل حول اسباب بقاء او انهيار التهدئة، ويعزو ذلك حسب رأيه إلى أن العوامل التي دفعت «حماس» إلى بدء المواجهة لا تزال دون تغيير. وفي هذا الصدد لا تزال العوامل التي دفعت (إسرائيل) للرد على هجمات «حماس» هي الأخرى على ما هي.
وفي حين أن مصر - التي خرجت من الصراع بمكانة إقليمية متجددة ومصداقية كبيرة في الشارع - لها مصالح متعددة في استمرارية الاتفاق الذي أُنجز بوساطتها، فيكاد يكون من المؤكد ألا ترغب في استئصال سيل الأسلحة الذي يتدفق عبر أراضيها إلى غزة.
ورغم مزاعم ليفيت حول اسباب المواجهة مدعيا ان الاحتلال يرد على عنف حماس الى انه يقدم توصيفا واقعيا في مقاله الذي ينشره موقع واشنطن لدراسات الشرق الادنى حول بقاء اسباب المواجهة.
وعلى ضوء قراءة معطيات واقع التهدئة الراهنة يمكن تقديم تصور مبدئي لأسباب صمودها في حدود عام الى 3 اعوام على النحو التالي:
خلقت المواجهة الاخيرة بين المقاومة والاحتلال واقعا جديدا متعلقا بتوازن الردع ساهمت من خلاله المقاومة في كي وعي القيادة السياسية والعسكرية في الكيان ان غزة لم تعد الحلقة الاضعف في جبهات المواجهة في المنطقة بل تحولت الى الجبهة الاصعب في ظل تجربة حرب الايام الثمانية نتيجة لتطور قدراتها القتالية والاهداف التي حققتها لأول مرة في تاريخ الصراع العربي (الإسرائيلي) وبناء عليه سوف يفكر الاحتلال مليا ويعيد حساباته دائما قبل التفكير في الخروج لأي مواجهة مستقبلا.
"المواجهة الأخيرة خلقت واقعاً متعلقاً بتوازن الردع، ساهمت المقاومة من خلاله في كي وعي القيادة السياسية والعسكرية بالكيان
"
في الجانب العسكري سوف يسعى الاحتلال الى مراجعة استراتيجيته الحربية بإعادة رسم سياساته الدفاعية بعدما فشلت القبة الحديدية في مواجهة صواريخ المقاومة كما لم يتمكن سلاح الجو - اليد الطولى- للاحتلال من حسم المعركة, في حين تبدو المواجهة البرية مكلفة, ولهذا يحتاج الاحتلال الى وقت كي يعيد ترتيب اولياته العسكرية فيما نشرت وسائل الاعلام العبرية سعي الاحتلال الاسراع في مشروع دفاعي صاروخي جديد تحت مسمى (الصولجان السحري) لمواجهة الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى التي يزيد مداها على 80 كليومتر - تدخل صواريخ المقاومة في نطاقها- ويحتاج هذا المشروع الى فترة زمنية تمتد حتى العام 2014 كي يدخل الخدمة, الى جانب الاحتياجات في تطوير وزيادة عدد بطاريات "القبة الحديدية" بالإضافة الى صواريخ حيتس الدفاعية ضد الصواريخ الباليستية .
كما اثرت المعطيات الاقليمية والدولية على المواجهة الاخيرة من خلال الوسطاء وتقديم الضمانات من اجل الوصول للتهدئة نظرا لوجود حذر وحرص امريكي- اوروبي من مغبة اشتعال مواجهة في منطقة الشرق الاوسط التي تعيش فوق صفيح ساخن ما يسبب ضررا فادحا لمصالحها السياسية والاقتصادية في زمن الربيع العربي.
لم تقتصر اتفاقية التهدئة على شرط (التهدئة مقابل التهدئة) كما هو الحال قبل العدوان بل اذعن الاحتلال لشروط المقاومة الاخرى خصوصا تلك المتعلقة بالحصار و حقوق الفلسطينيين في قطاع غزة الحياتية والاقتصادية ما خلق حالة من التوافق الفصائلي والشعبي حول قرار المقاومة كما ان التزام الاحتلال بتنفيذ هذه الشروط يعين اطالة عمر التهدئة واي تراجع يجعلها هشة وقابلة للتفجير.
ويبدو ان المقاومة سوف تحرص على عدم الانجرار الى معارك يخار توقيتها ومكانها الاحتلال الى حين ترميم قدراتها العسكرية بل تطويرها بما يتناسب واهداف المواجهة المقبلة.
وفي هذ السياق نقل ماثيو ليفيت عن أحد المسؤولين (الإسرائيليين) قبل بضعة أسابيع قوله: "لا نعرف متى ستهاجمنا «حماس»، لكننا نتوقع تماماً أن يفعلوا ذلك في وقت ما. فهم لا يجمعون كل تلك الصواريخ بلا هدف". لذا فإن السؤال هو هل ستوقف مصر خطوط تهريب الأسلحة عبر أراضيها أم لا؟