يشتد الخناق حول عنق موظفي السلطة برام الله يوماً بعد يوم، وتنهار أحلامهم أكثر فأكثر، وكذلك تُشلّ حياتهم؛ بسبب تأخر صرف رواتبهم لأكثر من شهرين على التوالي، إلى أن وصل بهم الحال إلى اللهاث وراء لقمة عيش أخرى قد تسد رمقهم.
وعلى الرغم من تقاضيهم نصف راتب عن شهر تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، إلا أن الحال لم يتغير كثيرا، فمعظمه جرى به تسديد ديونهم، والبعض الآخر –إن بقي- ذهب للمصاريف اليومية.
وتعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة في الفترة الأخيرة، عقب احتجاز سلطات الاحتلال أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها بناءً على اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة عام 1994.
ومما يدعو إلى الاستغراب- بحسب الموظفين- أن وزير المالية في حكومة رام الله نبيل قسيس لم يدلِ بأي تصريح قد يريح بالهم، الأمر الذي دفع رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية بسام زكارنة للدعوة إلى استقالة فياض من منصبه.
ويقدر عدد موظفي السلطة إلى ما يقارب 170 ألف موظف، موزعين مناصفة تقريبا ما بين الضفة المحتلة وقطاع غزة.
دعوة للاستقالة
"لو اعتمدت على راتب السلطة كان متت من زمان أنا وعيلتي"، بهذه الكلمات بدأ الموظف غسان أحمد حديثه لـ"الرسالة نت" حول أوضاعه المعيشية في ظل تأخر الراتب.
ويقول غسان الذي يعمل في غسيل السيارات بعد استنكافه عن العمل عام 2007 :" لدي عائلة كبيرة وأصرف على أبي وأمي وأخوتي الصغار، وبالتالي لا أستطيع أن أعتمد على راتب السلطة الذي يتأخر بشكل مستمر".
وبينما كان ينفث همومه عبر سيجارته يضيف :" إذا مش قادرين يصرفوا رواتب موظفين، كيف بدهم يقيموا دولة"، داعيا المسئولين في رام الله إلى الاستقالة.
وكانت وزارة المالية في الضفة أعلنت في نوفمبر الماضي عن صرف نصف راتب للموظفين بحد أدنى 1500 شيقل، وحد أقصى 4000 شيقل، وهو آخر ما أعلنته فيما يخص الرواتب حتى اللحظة.
وجرى توفير الـ" نصف راتب" بقرض من المصارف الفلسطينية، وبضمان شبكة الأمان العربية التي تعهدت بها الدول العربية للسلطة الفلسطينية.
"بالقطّارة"
أما الموظف لدى أحد أجهزة السلطة ياسر مصطفى، فلم يجد ما يعبر به عن غضبه جرّاء تأخر راتبه إلا بقول "حسبي الله ونعم الوكيل في فياض والسلطة".
ويضيف وهو يتكئ على كرسيه:" رواتبنا أصبحت بالقطارة، والأوضاع تزادا صعوبة، فالبيت له مصاريف كثيرة، والديون تتركم علينا، وقادة السلطة يدعوننا للتحلي بالصبر"، مطالباً بإقالة حكومة فياض في أقرب وقت.
ويأمل ياسر أن تنتهي أزمة تأخر الرواتب الحالية بلا رجعة، قبل أن يأتي الوقت الذي لا يستطيع أن يخرج من بيته بسبب كثرة الديون عليه.
من جانبه يعرب الموظف أشرف جمال عن تخوفه من استمرار أزمة رواتبهم إلى مدة طويلة، معتبرا أن ذلك سيكون بمثابة كارثة عليهم.
ويقول لـ"الرسالة نت" :" أصبحنا قلقين بشأن إمكانية تلبية متطلبات أبنائنا، وتأمين مأكلهم ومشربهم، حتى أننا بتنا نتبع سياسة التقشف في بيوتنا بسبب الأزمة الحالية".
ويطالب الموظف أشرف -الذي يعيل أربعة أبناء- السلطة بصرف رواتبهم في موعدها، وإلا فالاستقالة خير حل. حسب تعبيره.
وتبلغ قيمة رواتب السلطة نحو 725 مليون شيقل شهريا، فيما تبلغ قيمة إيراداتها بين 330-350 مليون شيقل، أي أن العجز يبلغ نحو 350 مليون.
تغيير جذري
بدوره دعا رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية برام الله بسام زكارنة إلى تغيير جذري في السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة، حتى تستطيع مواجهة الأزمة المالية الراهنة، لافتا إلى أن التغيير يجب أن يطال رئيس الوزراء سلام فياض بعد فشله في مواجهة الأزمة.
وقال في بيان وصل "الرسالة نت" أنه "على الرغم من عدم رضانا عن أداء الحكومة التي لم تدخر القرش الأبيض ليومنا الاسود ولم يكن لها أية خطة لمواجهة الأزمة المتوقعة، التي أعلنت (إسرائيل) عنها مراراً، فإن جميع الفعاليات التي نقوم بها ضد القرصنة الإسرائيلية وسياسة العقاب الجماعي".
ويبقى الموظف في حكومة رام الله يصارع الزمن، وهو ينتظر موعد الانفراج في رواتبهم، ولا خيار أمامهم سوى الصبر.. "ربنا يصبرهم".