الملف الأهم في الحوار

"الملف الأمني" سيعيد المصالحة للمربع الأول

أجهزة أمن السلطة (الأرشيف)
أجهزة أمن السلطة (الأرشيف)

غزة - لميس الهمص

رغم الجهود المبذولة لتسيير قطار المصالحة فإنه لا يزال يواجه عددا من المطبات والعثرات نتيجة الحديث عن التفصيلات المؤدية إلى ترجمة اتفاق الوحدة واقعا.

صعوبة الملف الأمني أرغمت الفصائل على تأجيله إلى ما بعد الانتخابات مدة قد تزيد على ستة أشهر، ما يفتح باب التساؤلات في ظل سيناريوهات مختلفة يتحدث عنها الطرفان "فتح وحماس" للإعلام.

المراقبون رأوا أن المصالحة دون الاتفاق على الأمن ستظل مضيعة للوقت ومسلسلا لا نهاية له ينتج بين وقت وآخر اتفاقات محكوم عليها باستحالة التنفيذ.

تأجيل الملف

وقال رئيس لجنة الداخلية والأمن في المجلس التشريعي النائب م. إسماعيل الأشقر لـ"الرسالة" في هذا السياق إن الملف الأمني أحد الملفات الخمس التي تم الاتفاق عليها خلال جلسات المصالحة، "لكن المشكلة تكمن في تنفيذ تلك الاتفاقات على أرض الواقع".

ويضيف: "نظرا للتعقيدات التي تحيط الملف الأمني تم تأجيله إلى ما بعد الانتخابات أي ستة أشهر".

وشدد على أن الوضع في غزة والضفة سيبقى على ما هو عليه خلال تلك المدة، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية ستكون تحت إمرة وزير الداخلية بالتوافق، ولافتا في الوقت نفسه إلى أن مهمات الوزير ستقتصر على تسيير المهمات دون إحداث أي تغيير في الأجهزة.

ووفق الأشقر فإن الملف الأمني ستنظر فيه لجنة أمنية عليا ستشكل بالتوافق الوطني، "وستباشر عملها بمرسوم رئاسي"، مبينا أن مهماتها ستكون إعادة بناء الأجهزة وهيكلتها، "ووضع سياسات عمل تلك الأجهزة بالإضافة إلى إيجاد الحلول للأعداد الضخمة للعسكريين: (الاستيعاب، والإحالة إلى التقاعد، والنقل إلى الوظائف المدنية)".

أما عن اختلاف مرجعيات الأجهزة الأمنية الحالية وكيفية التعامل مع تلك القضية فذكر أن التوافق حدد العقيدة الأمنية لها، "وحرم الاعتقال السياسي، وأوجب احترام المقاومة، واعتبر التخابر مع الاحتلال خيانة عظمى"، مؤكدا أن أي خروج مستقبلي عن الاتفاق سيعتبر خرقا للسفينة، "بل سيحاسب مرتكبه".

ماهية الاتفاق

ويعتبر مراقبون الملف الأمني من أكثرِ الملفاتِ حساسية وتعقيدا، ومن أخطر القضايا التي يمكنُ أن تنفجرَ وتقضي على الأمل بالوحدة والمصالحة.

وحدد اتفاق المصالحة الأجهزة الأمنية بثلاثة هي: قوات الأمن الوطني، وقوى الأمن الداخلي، والمخابرات العامة.

وأشار الاتفاق إلى ضرورة التوافق على المعايير والمبادئ الضرورية لدمجِ الأجهزةِ الأمنيةِ من أجل بناء أجهزة مهنية بعيدًا عن المحاصصة الفصائلية، "وتأليف لجنة أمنية عليا يصدر الرئيس الفلسطيني مرسومًا بها تتألف من ضباط مهنيين، وتمارس عملها تحت إشراف مصريّ وعربي، وأيضا متابعة ما يتفق عليه في القاهرة، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية بمساعدة مصرية وعربية في كلٍّ من الضفة والقطاع بالإضافة إلى استيعاب ثلاثةِ آلاف عنصرٍ في الشرطة والأمن الوطنيّ والدفاع المدني في قطاع غزة بعد توقيع اتفاقِ المصالحة مباشرة على أن يزدادَ هذا العدد تدريجيا حتى إجراء الانتخابات التشريعية وفق آليةٍ يتفق عليها لاحقا".

ونص الاتفاق أيضا على جوانب مختلفة تحقق المشاركة بعيدًا عن المحاصصة مثل إخضاع الأجهزة الأمنية للرقابة البرلمانية التي تمثلُ المدخل الأساسي لمشاركة المعارضة كلها في إدارة مرفق الأمن في الدول الديمقراطية التي لا تعترف بالمحاصصة، فبها يمكن الاطلاع على البرامج والخطط والسياسات الأمنية والتأكد من مدى التزام الأجهزة القانون.

ولكن تلك الاتفاقات وفق مراقبين صعبة التطبيق على الأرض لأن أجهزة أمن السلطة كانت ثمرة اتفاقات أوسلو التي لم تكن مشروعا وطنيا فلسطينيا جماعيا بقدر ما كانت مشروعا لحركة فتح.

ويذكر محللون أن دولة الاحتلال لن تسمح باستمرار وجود سلطة أو دولة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بالاتفاق معها في حال توقف التنسيق الأمني بين الجانبين.

حلول وسطية

محلل الشؤون الأمنية د. إبراهيم حبيب يرى أنه لن يطرأ في المدة المقبلة أي تغير على الأجهزة الأمنية، "وستبقى الحال على ما هي عليه".

وقال: "يحب إعادة هيكلية الأجهزة الأمنية ضمن رؤية موحدة ووطنية لنجاح المصالحة"، مشيرا إلى ضرورة صدق النيات، "لأنه لا يزال لدى الرئيس عباس قناعات لم يغيرها وعبر عنها في أكثر من تصريح حتى بعد اللقاءات الأخيرة، وإحداها التشكيك في انتصار حجارة السجيل".

ووفق حبيب فإن ضغوطا خارجية لا تزال تمارس على رئيس السلطة، "ما يجعل التفاؤل في تحقيق المصالحة حذرا"، منوها في الوقت عينه إلى فقدان عقيدة للأجهزة الأمنية في الضفة التي تتبع القيادة في رؤيتها.

ويرى أن التوافق على الحد الأدنى في المشروع السياسي سيسمح بنجاح المصالحة، معبرا عن إمكانية المزاوجة بين المقاومة والمفاوضات والبعد عن الانحصار في طريق واحدة.

وطالب محلل الشؤون الأمنية بضرورة اغتنام الفرصة الحالية، مبينا أن الملف الأمني حساس، "فأي خلاف قد يحصل ستسيل فيه الدماء لأن الخلاف سيكون حينئذ بين أجهزة مسلحة".

وقال: "من الممكن الوصول إلى حل توافقي يكون بالمقاومة والمفاوضات وأن يخدم الخياران بعضهما في الضغط لتحقيق إنجازات"، مستدركا: "نحتاج مقاومة قوية ومفاوضا قويا لا يتنازل".

وبين حبيب أن مدة الأشهر الستة ستكون كاشفة للنيات، "وإذا انتهت دون الوصول إلى اتفاق على البرنامج السياسي فإن المصالحة ستعود إلى المربع الأول".

ولفت إلى أن الخبراء المصريين سيشرفون على إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية فقط، "وفي حالة تجميد الاتفاق السياسي فإن الملف الأمني سيبقى عالقا".

الميزانية الكبرى

وأظهرت نتائج دراسة حديثة لمعهد الدراسات والبحوث الاقتصادية "ماس" أن حصة الأجهزة الأمنية من الميزانية العامة بلغت (31%) من الناتج المحلي الفلسطيني لعام 2011 مقابل (11%) للصحة و(19.4%) للتربية والتعليم ونسبة مئوية ضئيلة للزراعة.

وفي هذا الصدد، المحلل السياسي والكاتب المصري إبراهيم الدراوي اعتبر أن وجود الرئيس المصري الجديد محمد مرسي في الرئاسة يمثل أحد أكثر العوامل تأثيرا في المصالحة لإصراره على إتمامها، موضحا أن انتصار "أبو مازن" في الأمم المتحدة أحد عوامل القوة أيضا.

وأوضح الدراوي أن الجانب المصري لديه خطط لحل الملفات المعقدة وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بقيادة فلسطينية بعيدا عن الفصائل.

ولفت إلى أن مصر سترسل خبراء منها إلى غزة ورام الله للتعامل مع قضية الأجهزة الأمنية والمعتقلين السياسيين وتصنيفهم، "خاصة بعد الادعاءات أن بعض المعتقلين جنائيون".

البث المباشر