قائد الطوفان قائد الطوفان

الهجوم على القافلة وخيارات (إسرائيل) الصعبة بعد الأسد

طائرة حربية "إسرائيلية"
طائرة حربية "إسرائيلية"

د. صالح النعامي

على الرغم من أن (إسرائيل) ظلت تطرح مسألة مخزون السلاح الكيماوي والتقليدي لدى سوريا، وحرصت على التحذير علنا وفي القنوات الدبلوماسية والاستخبارية السرية من التداعيات الناجمة عن تسرب هذا السلاح لتنظيمات "معادية" ، سواءً تسريبه لحزب الله، وذلك بالتنسيق مع النظام السوري نفسه، أو أن يتمكن أتباع التنظيمات الجهادية الإسلامية من السيطرة على هذا المخزون في حال سقط النظام.

وليس سراً أن النخب السياسية والأجهزة الاستخبارية والعسكرية في (تل أبيب) قطعت الليل بالنهار وهي تناقش سبل مواجهة ما أسمته بـ "سيناريوهات الرعب"  التي يمكن أن تنجم عن تسرب السلاح السوري التقليدي وغير التقليدي "للجهات المعادية" . ومع ذلك، فإن أحداً لم يتوقع أن تلجأ (إسرائيل) للتدخل في الشأن السوري على هذا النحو، وبهذه السرعة عبر قصف أهداف عسكرية في سوريا، حيث أن وسائل الإعلام الأجنبية أشارت إلى أن سلاح الجو (الإسرائيلي) قصف قافلة تقل منظومة صواريخ مضادة للصواريخ متقدمة جداً حصلت عليها سوريا حديثاً من روسيا إلى حزب الله، وكانت القافلة تتحرك في ريف دمشق في طريقها للبنان. وعلى الرغم من إن (إسرائيل) الرسمية لم تعلق على الأنباء التي تحدثت عن قصف القافلة، كما كانت تفعل دائماً عندما تهاجم أهدافا في قلب العالم العربي، فإن وسائل الإعلام (الإسرائيلية) نقلت عن مصادر عسكرية في (تل أبيب) قولها أن هذا الهجوم لن يكون الأخير.

وعلى الرغم من أن (إسرائيل) ظلت تشدد على مخاوفها من أن يسقط السلاح في أيدي التنظيمات الإسلامية، المتقاطعة فكرياً مع تنظيم "القاعدة" ، إلا أنها تعي في الوقت ذاته، أن خطر تسرب السلاح إلى حزب الله، هو التحدي الذي يتوجب مواجهته في الوقت الحالي، لأن تحققه يرتبط أساسا بتعاون النظام، أو بسبب نفوذ حزب الله لدى هذا النظام؛ من هنا فقد حرصت الأجهزة الاستخبارية (الإسرائيلية) على تسريب معلومات لوسائل الإعلام (الإسرائيلية) والأجنبية مفادها أن مقاتلين من حزب الله، هم الذين يتولون تأمين مخازن السلاح الكيماوي في أرجاء سوريا؛ بل إن بعض  الصحف (الإسرائيلية) عرضت صوراً قالت أنها لمقاتلين من حزب الله يتولون عملية تأمين المنشآت التي تضم السلاح الكيماوي.

وقد كان من الواضح أن (إسرائيل) في مواجهتها لخطر السلاح السوري تتمتع بقدرة فائقة جداً على الحصول على المعلومات الاستخبارية من داخل النظام السوري نفسه. ولعله من المفيد الإصغاء إلى ما قاله عوزي عراد، الرئيس السابق لقسم الأبحاث في "الموساد" ، والذي شغل في الماضي منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، كما رأس في عهده مجلس الأمن القومي، علاوة على ترأسه "مركز هرتسيليا متعدد الاتجاهات" ، الذي يعد أهم مركز أبحاث في (إسرائيل)، حيث قال عراد في مقابلة مع القناة الأولى في التلفزيون (الإسرائيلي) أن (إسرائيل) تحصل على أدق المعلومات الاستخبارية عن سوريا بفضل طابع النظام. وعلى الرغم من أن عراد لم يفصل كثيراً، إلا أنه كان مفهوماً من كلامه أن (إسرائيل) تملك مصادر استخبارية بشرية قيمة وغنية، تمكن المخابرات (الإسرائيلية) من تحديد توجهات النظام السوري وتقدم معلومات في وقت حقيقي عن مخططات ما يعكف عليها النظام.

ومن المفارقة أن عاموس هارئيل، المعلق العسكري لصحيفة "هارتس" ، الذي تحدث في نفس البرنامج الذي تحدث فيه عراد قد نقل عن مصادر أمنية (إسرائيلية) قولها أن أكثر ما تخشاه (إسرائيل) في أعقاب سقوط الأسد هو توقف تدفق المعلومات الاستخبارية، في الوقت الذي تصبح فيه الجبهة السورية أكثر خطورة مما كانت عليه قبل.

الوقيعة بين الأسد وبوتين

بخلاف الروايات التي قدمها الإعلام الغربي، فقد ادعى النظام السوري أن الهجوم (الإسرائيلي) استهدف بشكل أساسي منشأة بحثية في محيط العاصمة. لكن الأجهزة الأمنية (الإسرائيلية)، ومن خلال عدد من كبار المعلقين البارزين في الصحف (الإسرائيلية) حرصت على تكذيب الرواية السورية، بهدف توريط الأسد في صراع مع الرئيس الروسي بوتين.

فقد استند رون بن يشاي، كبير المعلقين العسكريين في صحيفة "يديعوت أحرنوت"  إلى مصدر عسكري (إسرائيل) في تأكيده على أن المتحدثين الرسميين السوريين تجنبوا قول الحقيقة خوفاً من ردة الفعل الروسية عندما يتبين أن السوريين يسربون السلاح الروسي الحديث لمنظمة "إرهابية"  مثل حزب الله.

يدرك صناع القرار في (تل أبيب) مدى حساسية هذه النقطة بالنسبة للأسد، حيث أن روسيا هي القوة العالمية الوحيدة التي تقف إلى جانب الأسد وتغطيه في المحافل الدولية وتمنع أي قرار يمس حكمه، بحيث أنه في حال فقد هذه القوة، فإن هذا سيعجل من نهايته.

فبوتين ليس بإمكانه أن يبرر دفاعه عن نظام الأسد في مواجهة الغرب في حال تبين أن الأسد يزود حزب الله -الذي يصنف على أنه منظمة إرهابية- بالسلاح المتقدم. ومن شبه المؤكد أن الهجوم (الإسرائيلي) جاء لإحراج الروس أيضاً أمام العالم، فليس بوسع بوتين تفسير توفيره الغطاء لنظام يزود منظمة (إرهابية) بمثل هذه المنظومات المتطورة، على اعتبار أن حزب الله يمكنه استخدامها، ليس فقط ضد (إسرائيل)، بل أيضاً ضد الولايات المتحدة ودول أوروبية، كما يزعم (الإسرائيليون).

قصارى القول.. (إسرائيل) حاولت اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد، فمن ناحية ترى أنها أحبطت وصول سلاح كاسر للتوازن لحزب الله، وفي نفس الوقت حاولت توريط الأسد مع الروس، وتوريط الروس مع الغرب، والأهم من كل ذلك، فإنها تحاول إرسال رسالة للجهات التي يمكن أن تتولى زمام الأمور بعد الأسد بأنها لن تتوان عن ضرب أهداف في سوريا، بعد سقوط النظام.

لكن على كل الأحوال، فإنه على الرغم من حرص الصهاينة على إظهار الثقة، فإنهم يعون أن (إسرائيل) هي الطرف الأكثر تضرراً من سقوط نظام الأسد. ولعل الذي يعكس هذا الواقع هو ما قاله الوزير (الإسرائيلي) جلعاد أوردان في رثائه لنظام الأسد: "سنبكي اليوم الذي سقط فيه نظام عائلة الأسد، فجبهة غزة ولبنان ستكون مزحة مقارنة مع الجبهة السورية بعد سقوط الأسد".

البث المباشر