أصحابها يطالبون بمساندتهم

صناعة الفخار.. بين الحفاظ على التراث وآثار التلوث

غزة - رائد أبو جراد

تمثل الحرف اليدوية معلماً إبداعياً تتزايد قيمته عبر العصور حيث يعكس مشاعر صانعها الذي يجسدها من خلال زخرفتها مستخدماً أدوات بسيطة.

وتعتبر صناعة الفخار من أقدم الحرف التقليدية التراثية في فلسطين عامة قطاع غزة خاصة، توارثها الأبناء والأحفاد عن الآباء والأجداد وتكمن أهميتها في مواكبتها للحضارات الإنسانية القديمة لتستمر حتى يومنا هذا.

في حي الدرج وسط مدينة غزة هاشم القديمة تتكون الأصالة في بنائها والعراقة في تراثها وأدواتها الفخارية، فاخورة الخمسيني صبري عطا الله الذي ورث "هواية صناعة الفخار" من أبيه وأجداده.

يحاكي أدواته

"الرسالة.نت" زارت الفاخورة وتعرفت على أسرار العمل فيها، حيث الجد والكد والنشاط بين أفرادها دون كلل أو ملل منذ صباح كل يوم باكر وحتي مسائه، ويجلس الحاج أبو أيمن عطا الله وسط عدد من القوارير والأدوات الفخارية عريقة التراث والأصالة ليحاكي أدواته المصنوعة بلغة التاريخ التي عزفها قبله أبوه وأجداده.

وقال المواطن عطا الله:" منذ سن 7 سنوات وأنا مرتبط بهذه المهنة التي ورثتها من والدي وأجدادي الذين عملوا في هذه المهنة الأصيلة منذ القدم، ولهذه المهنة أساس تاريخي راسخ منذ زمن الكنعانيين".

وكشف عن وجود عدة مشكلات حديثة تواجههم هذه الأيام تتعلق بطبيعة عملهم وتتمثل في مطالبة بلدية غزة لهم بإغلاق الفاخورة بسبب الدخان المتصاعد منها وسط منطقة كثيفة بالسكان.

وتابع:" هذه الصنعة ومنذ وجودها لم يكن احد ينغص علينا عملنا سابقاً، لكن حالياً ومع الكثافة السكانية في المكان الذي يتواجد فيه معملنا منذ القدم، رفع السكان عدة شكاوي للبلدية مطالبين بنقل الفاخورة من مكانها الحالي أو إغلاقها لتأثير دخانها المتصاعد عليهم.

وأكد على تعليمه مهنة صناعة الأدوات الفخارية لكافة أبنائه ومن بينهم ابنه الشهيد القسامي مصطفي عطا الله الذي ارتقى في قصف صهيوني صيف عام 2008 الماضي، مستطرداً:"تقريباً كل أولادي تعلموا الصنعة مني ومنهم خريجو جامعات وأساتذة ومتعلمون ومنهم من هو أفضل العاملين في هذه المهنة على مستوى القطاع بأسره".

وطالب عطا الله 55 عاماً الوزارات المعنية كالثقافة والسياحة والآثار والمؤسسات المهتمة بحماية التراث والحفاظ عليه للقيام ببرامج تأهيلية وتعليمية لطلبة المدارس لتثقيفهم حول أهمية التراث الفلسطيني الأصيل حتى لا يتعرض للنسيان والانقراض.

وبين أنه خلال زياراته لمدن الضفة الغربية المحتلة ومدن فلسطين المحتلة عام 48م شاهد أواني فخارية قديمة وصل تاريخ اقلها لأكثر من 5آلاف عام قبل الميلاد، أي منذ عصر الكنعانيين.

اختلفت كثيراً

أما نجله خيري عطاالله 31عاماً فأوضح أنه ورث مهنة صناعة الفخار عن أبيه الذي بدوره تورثها عن أجداده، مشيراً إلى أن الاهتمام الكبير في هذه المهنة بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضي، مستطرداً:" صناعة الفخار في يومنا هذا اختلفت كثيراً عن العهد السابق".

وقال عطا الله ويعمل مدرس لمادة العلوم في احدي المدارس الغزية:" بعد دخول عدة مواد بديلة كالزجاج والألمنيوم والمعدن في صناعة الأواني والأدوات المنزلية، شهدت صناعة الفخار إقبالاً ضعيفاً من قبل المواطنين".

وتابع حديثه: وهو يحرك الدولاب الكهربائي الذي يستخدمه في تشكيل القطع الفخارية التي يصنعها ويزخرفها يدوياً:"تمر صناعة الأدوات الفخارية بعدة مراحل تبدأ بإحضار الطين من مصدره الطبيعي من الأراضي الزراعية المتواجدة في شرق غزة".

وذكر أن المراحل المتعددة الأخرى تتمثل في مرحلة التصويل وهى تنقية الطين من الشوائب ومن ثم مراحل التخزين والعجن مروراً بالتشكيل والتصنيع وانتهاء بوضع الأواني في فرن كبير خاص بها يشغل يدوياً وانتهاء بمرحلة التجفيف بعيداً عن الشمس والهواء.

وكشف النقاب عن وجود عقبات وصعوبات وضغوط من بلدية غزة تجاه معملهم الفخاري الواقع وسط منطقة كثيفة بالسكان قائلاً:"تواجهنا صعوبات عدة من البلدية في إرسال مخالفات لنا دائماً بأن عملنا غير مرخص وأن البلدية تقوم بشكل دوري بإرسال مخالفات لهم بسبب شكاوي المواطنين المتكررة من الأدخنة المتصاعدة من الفرن".

ودعا لتخصيص مناطق ومساحات معينة بعيدة عن المناطق المأهولة بالسكان لعملهم في الفخار حتى لا يتأذي المواطنون من الأدخنة المتصاعدة نتيجة العمل في الفرن الفخاري.

الحصار أغلق الأسواق

وخلال حديثه عن تأثير الحصار المفروض على القطاع على عملهم وإنتاجهم وتصديرهم لصناعاتهم قال عطاالله:" إنتاجنا لا يتجاوز 30% بسبب الحصار وقلة الإقبال، وكنا سابقاً نصدر أكثر من 60% من الأواني الفخارية لمناطق الضفة والأراضي المحتلة عام 48 أما الآن فالحصار أغلق هذه الأسواق والأبواب علينا وأوقف عمليات التصدير لدينا".

وأكد على أن مشكلة انقطاع التيار الكهربائي المستمرة تنغص عليهم عملهم بسبب اعتماد الآلات المستخدمة في صناعة الفخار بشكل رئيسي على التيار الكهربائي، مستطرداً:"في حال انقطاع الكهرباء نقوم بتشغيل المولد الكهربائي لكنه ضعيف الأداء ولا يشغل الآلات اللازمة في عملية تصنيع الأواني والأدوات الفخارية".

وعرض الشاب عطاالله عدداً من الأواني والأدوات الفخارية التي يعمل مصنعهم على إنتاجها التي من بينها(القوارير والمزهريات والحصون والزبادي بكافة أحجامها وزير المياه وأحواض وقوارير الزراعة..).

وفي ختام حديثه لـ"الرسالة.نت" تمنى إبداء اهتمام واضح في صناعة الفخار وزيادة الإقبال عليها والاهتمام بها من قبل المؤسسات والوزارات المعنية بأهمية المحافظة على التراث الفلسطيني الأصيل من التلاشي والاختفاء.

وتشير دراسات اقتصادية وتراثية إلى انه وقبل قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994 كان عدد المصانع نحو 29 مصنعاً، ويعمل بها نحو 80 عاملاً، أما الآن فقد تقلصت إلى 10 مصانع، فقط يعمل بها 50 عاملاً، ويعمد الاحتلال إلى إغراق السوق الفلسطينية بمنتجات فخارية مصنعة تحارب بها الصناعة التقليدية الدالة على عمق التراث وعراقة الحضارة.

ويضاف إلى ذلك الخسائر المادية التي تلحق بأصحابها، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية الناجمة عن التدهور جراء إغلاق المعابر والحصار المفروض على غزة التي حدت بشكل كبير من التصدير للخارج، إلى جانب الحركة السياحية المعدومة، وقلة اهتمام المواطنين بالفخار الذي لم يعد من أدوات المعيشة المعهودة سابقاً.

 

البث المباشر