لم يلح في الأفق ما يؤشر إلى إمكانية استعادة حركة فتح لعافيتها في ظل الحريات الممنوحة لها في ممارسة نشاطاتها ومهامها التنظيمية في قطاع غزة، وبالرغم من كل التعيينات المتلاحقة لقيادة مفوضيتها العليا فإن خلافاتها الداخلية على مستوى الأقاليم والمناطق مازالت حاضرة.
وبعكس التوقعات والمبشرات التي انهمك قادة فتح وناطقوها الإعلاميون بالحديث عنها في ضوء الحشود التي حضرت مهرجان انطلاقتهم الأخير في قطاع غزة، فما زال هناك تجاهل للقاعدة التنظيمية في لملمة شعث الحركة وإجراء الانتخابات الداخلية.
ولم تجر حركة فتح في قطاع غزة منذ منتصف حزيران (يونيو) 2007، أية انتخابات داخلية لفرز قيادات جديدة للإشراف على أقاليم الحركة الثمانية، وبقيت القيادات التي انتخبت في مؤتمرات سابقة تمارس عملها لغاية الآن.
تصفية حسابات قديمة
وأثار مؤخراً قرار تجميد الكادر الفتحاوي فيصل فياض من عضوية لجنة إقليم غرب مدينة خان يونس، استياء العديد من أوساط قيادات حركة فتح وأنصارها في المدينة، واعتبروا قيام من وصفوهم "المعينين ببرشتوتات" بإعفاء أو تجميد المنتخبين واتخاذ قرارات جائرة بحقهم يأتي بسبب "خلافات تنظيميه قديمة وتصفية حسابات"، وفق تأكيدهم.
وسبق ذلك تهديدات فتحاوية عقب قرار الهيئة القيادية لفتح في تعيين لجان جديدة لقيادة الأقاليم بدلاً من القيادات المنتخبة، كما حصل في إقليم رفح، حيث جرى إقصاء جماعي واستبعاد سبعة قيادات تنظيمية منتخبة في لجنة الإقليم وهم "صلاح العويسي، خالد موسى، طارق جودة، عماد عبد الوهاب، عطاف الحمران، عبد المنعم عبيد، ورمزى كلاب".
وتشتكي القاعدة الفتحاوية في غزة من "التفرد بالقرارات"، فقد كانت مجموعة من قيادة وكوادر إقليم شرق خان يونس، طالبت في الإطار اللجنة المركزية لفتح -وفق بيان أصدرته- بضرورة العمل على وقف التجاوزات التنظيمية التي يقوم بها أعضاء الهينة القيادية والتفرد بالقرارات وفق مزاجية خاصة بعيداً عن الإطار التنظيمي السليم والعمل على تصفية حسابات شخصية مع أعضاء الإقليم لرفضهم العمل لحساب أحد أعضاء اللجنة القيادية وتحويل العمل التنظيمي لمنطقة جغرافية محددة على حساب المناطق الجغرافية الأخرى.
يشار إلى أن فشل احتفال فتح الأخير في خان يونس والذي كان قد تطور إلى عراك بالأيدي بين مناصري عباس وآخرين موالين للقيادي المفصول من فتح محمد دحلان، قد كشف عن طبيعة الأجواء المشحونة لدى كوادر وعناصر الحركة ومدى اعتراضهم على التعيينات الجديدة في المفوضية العليا.
الرقابة وحماية العضوية
ورفض فيصل فياض التعليق على قرار تجميده لما اعتبرها أسبابا تنظيمية بحتة لا يود الحديث عنها عبر الإعلام، واكتفى بتكرار "حسبنا الله ونعم الوكيل" والتأكيد على أنه سيظل مخلصاً ووفياً لحركته التي أعطاها الكثير طوال فترة انتمائه لها.
ولكن الكادر الفتحاوي هشام ساق الله، ذكر في تصريحات نقلتها "الرسالة" بأن فياض اتصل به وطلب منه أن يتطرق في كتاباته إلى القرار الجائر بحقه، حيث لم يرتكب أي جريمة أخلاقية أو سرقة أي موازنة من الحركة ولم يسب الذات الإلهية ولم يرتكب أي جرم مخل بالشرف ولم يتحرش بأحد، مشيراً إلى أن فياض خضع للجنة تحقيق من أعضاء الهيئة القيادية للحركة حول ثلاثة اتهامات وهي التحريض ضد لجنة الإقليم والتغيب 21 جلسة تنظيمية وشتم اللجنة المركزية للحركة، إلا أنه نفاها جميعا.
وتساءل ساق الله " أين لجنة الرقابة وحماية العضوية في حركة فتح من تشكيل لجنة التحقيق، وهل تم اطلاعها على مجريات التحقيق وشاركت في إصدار قرار الإعفاء والتجميد من المهمة التنظيمية، ولماذا لم يوقعه مفوض مكتب التعبئة والتنظيم نبيل شعث الطائر من طائرة لطائرة ومن بلد إلى بلد ويترك مهمته ومسئوليته التنظيمية هكذا بدون متابعه!."، وفق تعبيره.
وقال "هكذا هي حركة فتح تريد أن تبعد كل الشرفاء والمناضلين والمحترمين عن الساحة، وهكذا يتم توجيه التهم جزافاً للمناضلين ويتم ترك اللصوص والمسيئين لحركة فتح والقتلة والمجرمين والمتحرشين بالنساء الذين أضاعوا قطاع غزة وسلموه لقمة سائغة، ولازال التاريخ يكتب بأحرف من عار تجاوزاتهم وإساءاتهم لشعبنا الفلسطيني".
نيابة عن انشغال القيادة
من ناحيته، لم يجد شعث ما يرد به على سؤال "الرسالة" حول قرار التجميد بحق فياض، زاعماً أنه ليس على إطلاع تام بمجريات الأمور التنظيمية الأخيرة في القطاع بسبب سفره للخارج وانشغاله بأمر عائلي طارئ، كما أن نائبه -أحمد نصر-لم يرد على تساؤلات الرسالة.
وكانت قيادات وكوادر فتحاوية في غزة هاجمت بشدة نبيل شعث المفوض العام للحركة بسبب استغلاله الانشغال الفتحاوي بمهرجان الانطلاقة لتمرير تعيين عضو المجلس الثوري أحمد نصر نائباً له في غزة وأعضاء آخرين في تشكيلة المفوضية.
وتؤكد "التجارب الفتحاوية" السابقة بأن الخلافات الدائرة بين تيارات فتح المتصارعة، سوف تنعكس بحيثياتها على التحضيرات المتعلقة باختيار مرشحين وقوائم الحركة التي ستخوض الانتخابات المقبلة، وبالتالي فإن خريطة فتح في الانتخابات دائماً تؤدي بها إلى "متاهة".
لقاءات سرية
كما نفى شعث أيضاً علمه بأية لقاءات سرية بين رئيس السلطة محمود عباس والقيادي الفتحاوي أحمد حلس في القاهرة، نافياً الأنباء التي تناقلتها مواقع إعلامية فتحاوية حول عرض عباس أي منصب على حلس في غزة.
وكانت مواقع فتحاوية عديدة كشفت -نقلاً عن مصادر وثيقة الاطلاع- النقاب عن عقد لقاء سري جرى في القاهرة بين عباس حلس، تم خلاله مناقشة الأوضاع في غزة وسبل مواجهة نفوذ القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان في غزة.
وذكرت المصادر أن حلس لم يقبل العروض المقدمة له من عباس ومنها تكليفه بقيادة فتح في القطاع وتشكيل جهاز عسكري خاص قد يشمل توحيد الأذرع المسلحة المتباينة لدعم وجوده في الحركة وتأمين قيادته لها إلى جانب توفير الموازنات اللازمة.
وأوضحت المصادر أن سر رفض حلس لهذا العرض هو توجيه قيادات من حركة فتح اتهامات له بالخيانة والتآمر بعد اعتقاله لدى المخابرات (الإسرائيلية) بعد هروبه من غزة مع العشرات من أقاربه إلى الجانب (الإسرائيلي) عام 2008.
يذكر أنه لم يحظ أي من قيادات حركة فتح في قطاع غزة بالقبول من قبل القاعدة التنظيمية للحركة لتولي رئاسة الهيئة الفتحاوية بغزة، فقد سبق أن شكلت قيادة حركة فتح عدة هيئات قيادية للإشراف على الحركة في قطاع غزة منذ العام 2007.
يشار إلى أن الخلافات الفتحاوية الدائرة بين عباس ودحلان ألقت بظلالها على الساحة الفتحاوية في قطاع غزة، وترجمت الأقاليم الفتحاوية المختلفة في غزة تحذيراتها وتهديداتها بشكل فعلي عبر "استقالات جماعية" احتجاجاً على الطريقة التي تُدار بها الحركة في قطاع غزة.