ما يميز حركة حماس أن لها تجربة ديمقراطية داخلية وأنها متمسكة بممارستها بانتظام وانضباط منذ تأسيسها، فكل أربع سنوات تقوم الحركة باختيار من يقودها ولا يقتصر هذا الاختيار على المكتب السياسي فقط بل جميع مفاصل العمل ما عدا الجهاز العسكري كجيش تحرير.
ومن عوامل نجاح الحركة ومواجهتها للتحديات ورسوخها في العمل السياسي والمقاومة، التزام عناصرها وقيادتها بإفرازات العملية الديمقراطية، ويتم التسليم بسلاسة دون سماع تشاجر هنا او إطلاق نار هناك وتصريحات متوترة وغاضبة من هذا القيادي أو ذاك.
ويبدو أن حركة حماس تحرص على اجراء الانتخابات في موعدها مهما كانت الظروف ولا تأخرها لأي سبب كان، ولا تختلق التبريرات للتأجيل والتسويف والمماطلة، فلقد تم هذا العمل في لحظات حرجة كاستشهاد الشيخ احمد ياسين وفي ظل حصار قطاع غزة، مما يدل انها حركة تؤمن بهذه الطريقة السلمية كمبدأ لتداول السلطة.
لدى حركة حماس نظام داخلي دقيق ينظم العملية الانتخابية ويعطي توصيفا دقيقا لآليات اجرائها مما يضمن ضبط العملية بشكل محكم وملزم للجميع، وهناك جهات اشرافية ورقابية تؤدي عملها بمهنية عالية، كما ان هذا النظام يحدد الصلاحيات المختلفة في المستويات القيادية والشورية.
لا يوجد في عرف حماس من يقوم بترشيح نفسه فلا يعطوها لمن طلبها، ولهذا السيد خالد مشعل لم يسحب ترشيحه فلا يوجد ترشيح أساسا، ولكن أوصى وطلب من مجلس الشورى باستثنائه متنازلا عن حقه في أن يتم اختياره لرئاسة المكتب، وهو اراد صادقا ان يضرب مثلا تربويا ونموذجا جديدا في افساح المجال لقيادات جديدة، وهذا ما رفضه مجلس شورى حماس.
اعادة انتخاب السيد خالد مشعل مرة اخرى تأتي بضغوط من قيادة الحركة لحساسية المرحلة ودقتها، وتقلباتها السياسية الحادة، وتعبيرا عن قاعدة الحركة وأصحاب الرأي من الكتاب والمفكرين التي فضلت وجود ابو الوليد ليكمل محاولاته في الاختراق السياسي على المستوى الوطني والعربي والدولي.
بالتأكيد سنشهد في المرحلة القادمة سياسات جديدة للحركة وخطوات اكثر جرأة نحو العمل السياسي، وهذا يحتاج لقراءة اعمق في المتغيرات والسيناريوهات في ظل حكومة (إسرائيلية) متطرفة، وربيع عربي غير مكتمل، ومقاومة في غزة تتمحور وتتقوى لقيادة المشروع الوطني.