تزاحمت الأحداث وتزاحمت معها الأفكار التي يمكن أن نكتب أو نعلق عليها أو نحللها، استشهاد اللواء ميسرة أبو حمدية في سجون الاحتلال، مشعل وإعادة اختياره رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس، القدس وما يحدث لها من تدمير ومصادرة، المصالحة ومؤتمر القمة المصغر والجدلية التي أثارتها حوله حركة فتح ومحمود عباس، المقاومة الفلسطينية وما يمكن أن تفعله كردة فعل على ما يحدث للأسرى، والعدو الصهيوني وما يمكن أن يقوم به في ظل حالة الاستنفار التي أعلنها خاصة في منطقة غلاف غزة، حالة الاشتباك التي تجري بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال على خلفية استشهاد أبو حمدية وإمكانية أن تشكل انتفاضة ثالثة، وقضية اتفاق السلطة مع الأردن حول رعاية المقدسات الإسلامية.
كل هذه القضايا وغيرها تصلح أن تكون عناوين لمقالات عدة، ولكن لطبيعة الجريمة التي ارتكبت بحق الأسير الشهيد ميسرة أبو حمدية، فإن الحديث عنه يمكن أن يأخذ أكثر من زاوية خاصة بعد ما أكدته كتائب الشهيد عز الدين القسام عن الدور الجهادي الذي لعبه الشهيد منذ انطلاق المواجهات مع العدو الصهيوني في الانتفاضة الأولى وكيف مارس الرجل دورا قياديا جهاديا في الإعداد والتدريب بصمت بعيدا عن الشهرة أو السمعة والصيت، حتى اعتقاله في عام 2002 بعد أن أبلى بلاء حسنا.
أبو حمدية رحمه الله كان نموذجا للمجاهد الحق الذي آمن بقضيته وتمسك بحقه في أرضه والدفاع عنه. وكان رحمه الله يرى أن الجهاد والمقاومة طريق التحرير وأن المجاهد والمقاوم يجب أن يتمتع بعقيدة إيمانية قائمة على شريعة وعقيدة إسلامية، ولم يكن مؤمنا بالتفاوض والسلام مع عدو محتل مغتصب للأرض، مجرم قاتل للإنسان وللحياة وللشجر والحجر، وكان يرى أن العلاقة مع المحتل يجب أن تكون قائمة على السيف، والحوار معه يتم عبر البندقية .
الحديث عن أبو حمدية بكل تأكيد يجرنا للحديث عن الأسرى وحالة الخذلان التي تتعرض له قضيتهم من الجميع سلطة ومقاومة ومجمعات عربية وإسلامية ودولية، وعمليه إهمال من المؤسسات الحقوقية والإنسانية ومن الأمم المتحدة فالجميع يتحمل المسئولية بسبب عدم القيام بدورهم على أكمل وجه.
السلطة الفلسطينية جعلت قضية الدولة المراقب في الأمم المتحدة انتصارا سياسيا وطريقا للوصول إلى محاكمة الاحتلال الصهيوني على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني. كما أن أبو حمدية رحمه الله كان معلوما للسلطة أنه يعاني من سرطان الحنجرة وأن حالته الصحية في تدهور، والأسير سامر العيسوي يعاني من سكرات الموت نتيجة إضرابه الطويل عن الطعام وغيره من الأسرى المرضى والذين بلغ عدد المصابين بالسرطان بينهم نحو خمسة وعشرين أسيرا، والسؤال: لماذا لم تتحرك السلطة حتى الآن في التوجه إلى محكمة الجنايات استثمارا للمكانة الجديدة لفلسطين في الأمم المتحدة؟، أم أن هناك تعهد من السلطة بعدم التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية ؟، وهل هناك حسابات سياسية بعد زيارة اوباما وطاولة المفاوضات تحول دون توجه السلطة للمحاكم الدولية لمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم وخاصة جرائمهم بحق الأسرى؟
طريق تحرير الأسرى وخلاصهم من سجون الاحتلال هي طريق واحدة لا ثاني لها وهي أسر جنود أو مستوطنين وإجراء عملية تبادل كما حدث في كل الصفقات التي نجحت في تحقيق انفراج لصالح الأسرى والتي كان آخرها صفقة وفاء الأحرار، وعليه المقاومة وقواها عليها أن تزيد من جهدها في العمل على اسر الجنود وان يكون هناك تخطيط محكم في هذا الاتجاه لأن هذا العدو لا يفهم إلا لغة واحدة وهي لغة القوة.