خبز الطابون.. مهنة الأجداد في أيدي الأحفاد

غزة/ كمال عليان

مع إشراقه شمس صباح يوم جديد، يستيقظ الشاب محمد كلوب من مدينة غزة ليفتح أبواب المخبز الذي يعمل به، ويحضّر عجين الطابون لكي يخمر ويكون جاهزا للتقطيع والخبيز بعدها.

ويقف كلوب أمام فرن الطابون في مخبزهم بالقرب من مستشفى العيون وسط مدينة غزة لـ"رق" العجينة وتدويرها على وسادة خاصة يضع عليها العجين ليلصقه بالفرن، بعد إحمائه.

وبعد أن يطرح الرغيف على حائط فرن الطابون تنتشر رائحة الخبز الشهية بالأجواء، داعية الناس المارين بالجوار إلى شرائها دون الحاجة إلى نداء صاحب المخبز.

ورغم إصابة يديه ببعض الحروق جراء ملامستها لأرغفة الخبز الساخنة، إلا أن كلوب ما زال غير مقتنع بالمقارنة بين خبز الطابون والخبز الإفرنجي بشتى أنواعه، سواء فيما يتعلق بالمواد المستخدمة لخبزه أو طريقة تحضير العجين.

عودة جديدة

ويستذكر كلوب يوم أن كان عاملا في أحد مخابز الطابون قديما، وكيف كان يلتف حول الفرن  لمشاهدة حركات الخباز التي بات محمد يتقنها الآن بشكل كبير.

ولم يعد مشهد المواطنين الفلسطينيين، وهم يقبلون على مخابز الطابون في مدينة غزة أمرا غريبا في الآونة الأخيرة، بعدما عاد شراء أرغفة الطابون هدفا للكثير من الأسر الفلسطينية بعد انقطاع عن هذه المهنة دام سنوات طويلة.

ويعتبر مخبز "كلوب" وفق قوله السباق في التخصص بخبز الطابون في المنطقة، وقد تحول خلال فترة قياسية إلى مقصد لمئات الأسر والمطاعم للتزود منه.

ما هو الطابون

وفرن الطابون عبارة عن بناء صغير من الحجارة القديمة، يشبه الخندق في شكله، وله باب وليس له نوافذ بل طاقة وحيدة لتسريب القليل من الضوء، وفي وسط أرضية ذلك البناء تعمل حفرة غير عميقة، يوضع فيها قالب الطابون المصنوع من الطين، ويترك لمدة طويلة حتى يجف، ويوضع فيه قدر كاف من "الرضف" وهو نوع من الحصى المستديرة المصقولة.

ويعلوا طابون الخبز فتحة في أعلى القبة، قطرها عادة خمسين سم، وهي عبارة عن باب، وتغطى بغطاء معدني له مقبض، يمكن رفعه لإدخال الرغيف باليد، ثم إعادة الغطاء لحفظ الحرارة في الداخل.

ويغمر هذا المخبز بأسره بالقش والحطب، وتوقد عليه النار، أو باستخدام الغاز حاليا، ويترك لمدة طويلة حتى يكون ما في هذا المخبز من "الرضف" قد حمي، إلى أن يأتي الخباز ويبدأ بعملية الخبز.

جزء من تراثنا

وفي خطوة تعد عودة إلى التراث الشعبي، بدأت ظاهرة الإقبال على افتتاح مخابز الطابون تسجل حضورا لافتا في مدن قطاع غزة، كما بدأ الأهالي بالإقبال على شرائه وإقناع الجيل الناشئ به.

ويقول كلوب أن المخبز الذي يعمل به افتتح قبل عامين تقريبا، وينتج خبز الطابون وخبز "الصاج" بالإضافة إلى أنواع عديدة من المعجنات والبيتزا، مشيرا إلى أن صاحب المخبز توجه لفتح بعدما عاد من الضفة الغربية التي تعلم منها المهنة وبات يتقنها.

ويضيف لـ"الرسالة" :" رغم حرارة الفرن ووقوفي فترات طويلة وأنا أخبز إلا أنني أشعر بلذة العمل، وخصوصا ونحن نعيد إلى الأذهان جزء من التراث الفلسطيني"، موضحا أنه أصبح باب رزق له ولمجموعة من العمال.

وفيما يتعلق بالتسمية أوضح كلوب أن أفران الطابون سميت بهذا الاسم بناء على حجر الطابون القديم الذي يصنع منه الفرن، مبينا أن بدايات تاريخ هذا الخبز هو من السعودية، موضحا أن الزبائن لا يكتفون بشراء خبز الطابون بل يوفرون لهم المعجنات المختلفة.

ويقر كلوب أن اسم الطابون كلون تراثي للخبز لعب دورا كبيرا في جذب الزبائن إليه، متوقعا أن يتحسن الوضع تدريجيا بعد إدراك الناس لهذا التراث ومدى فائدته الصحية.

للطابون خطوات

وبينما يضع أحد الأرغفة في الفرن يروي محمد كلوب خطوات إعداد خبز الطابون ببدء إعداد العجين من الطحين المصنوع من القمح بعد طحنه وتخميره ليخبزه بعدها، حيث يتم بعد ذلك تقطيع العجين "الخامر"، ثم رقه باستخدام "الوجه" - وهو طحين قليل يضعه على العجين لسهولة رقه-.

ويكمل كلوب حديثه وقد أنسته حرارة الفرن برد الشتاء :" ثم نفتح باب الفرن ونضع الرغيف المرقوق على الطرف الساخن داخل الطابون"، لافتا إلى أنه يتسع عادة إلى رغيفين أو أكثر حسب حجم الرغيف.

ويوضح أنه يتم بعدها إغلاق باب الطابون والانتظار برهة من الزمن حتى يشم رائحة الخبز الخارجة من الطابون ثم يفتح الباب ثانية وينتظر فإذا احمّر وجه الخبز يخرج الأرغفة ويضع غيرها.

وأكد خباز الطابون على أنه عند انتهاء عملية الخبز يغلق باب الفرن حتى يبقى نظيفا، منوها إلى أنه يمكن استخدام الطابون في غير عملية الخبز بأن تحمر فيه اللحوم، أو لصنع المسخن أي الدجاج المشوي بالزيت البلدي.

 

البث المباشر