في إحدى غرف سكن الطلبة بسوريا، يتكئ "يزن" على كرسيه واضعًا قدمًا على الأخرى، مشبكًا يديه خلف رأسه وعينيه تحدقان بالسقف، يبدو أنه كان يفكر بشيء ما.. نهض فجأة وفتح خزانته مستعينًا بحقيبة السفر.. حزم أمتعته ولفّ ثيابه، واتخذ القرار بالعودة لغزة.
يزن فلسطيني ابن الواحد والعشرين ربيعًا، بدأت قصته عندما حلم والده كأي أب فلسطيني بأن يحصل ابنه على أسمى درجات العلم بعد حصوله على معدل 87% في الثانوية العامة؛ لذلك قرر يزن وعائلته -بعد تفكير وتأمل- أن يتوجه إلى سوريا ليدرس طب الأسنان.
سافر إلى سوريا في شهر يونيو من عام 2010، وبدأ عامه الدراسي هناك، حيث كانت تكاليف الدراسة بسيطة بالنسبة له كفلسطيني، أما الحياة الاجتماعية فكانت مريحة، والشعب السوري لطيف، ويتعاطف معه خاصة عندما يعلم أنه من غزة، كما يقول يزن لـ"الرسالة نت".
استقر يزن في مدينة اللاذقية وبدأ دراسته الجامعية، واستمر فيها بشكل طبيعي دون أي معوقات، حتى منتصف مارس من عام 2011 موعد اندلاع الثورة السورية، بعد 7 شهور من وصوله الأراضي السورية.
وظلت الأوضاع الأمنية بسوريا بين شد وجذب في بداية الأمر، ما جعل يزن قلقا على ضياع عامه الدراسي.
ويروي الشاب قصة معاناته "مع اشتداد الأحداث من جديد وازدياد الوضع صعوبة فكرت ألف مرة في مغادرة سوريا".
الوضع أصبح غير مضمون وموقف الفلسطيني كان حساسًا بعض الشيء، فتارة يتهم أنه مع النظام وتارة ضده، بسبب المواقف السياسية الفلسطينية تجاه النظام السوري، ما جعل يزن يفكر مليًا في العودة إلى غزة لاستكمال تعليمه الجامعي.
ومنذ اندلاع الثورة السورية يتعرض الطلبة الفلسطينيون والعرب في الجامعات السورية إلى المضايقات بسبب المواقف السياسية تجاه انتهاكات نظام الأسد بحق الشعب السوري.
ووفق احصائيات رسمية للمرصد السوري، لقي أكثر من 60 ألف شخص مصرعهم في سوريا منذ اندلاع الثورة، احتجاجًا على حكم الرئيس بشار الأسد، فيما قالت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشئون اللاجئين إن عدد اللاجئين السوريين بلغ حوالي 700 ألف لاجئ مسجل لديها بخلاف غير المسجلين.
أزمة تفكير
"في تلك الأثناء، أصبح عندي أزمة في التفكير، لأنه كان لابد أن يكون معي تأشيرة من السفارة المصرية حتى أسافر، ولكن يومها وقع تفجيرًا بجانب السفارة وأغلقت، كما كان من الصعب ذهابي إلى لبنان على جوازي الفلسطيني، وحتى الأردن بسبب المخابرات الأردنية" يتابع يزن.
وبسبب تلك المعوقات التي واجهت يزن، اضطر اللجوء إلى "حيلة" حتى يتمكن من الهروب خارج سوريا، فذهب إلى مركز الطيران وحجز تذكرة ذهاب وإياب من وإلى الجزائر دون فائدة "وكانت عالفاضي"، وفق قوله.
العودة إلى غزة
أصبح يزن يفكر في العامين ونصف الذين قضاهما، وحتى لا يضيع عليه شيء قرر أن يعود إلى غزة حتى يتمكن من اللحاق بالفصل الدراسي الثاني في جامعات غزة.
كان لابد من حصوله على موافقة أمنية من فرع خاص بالعاصمة السورية (لأنه فلسطيني)، ولكنه غامر ولم يذهب إليه، وانتقل إلى الخطوة التالية فذهب إلى مكتب الجوازات والهجرة هناك، وواجه مشاكل في الموافقة على طلبه لأنه لم يتوجه للفرع الأمني، وبعد محاولات عديدة تمكن أخيرًا من الحصول على الموافقة.
لم تنته معاناة يزن عند هذا الحد، فهو كان يريد العودة إلى غزة رفقة جده وصديقه، وواجهته في المطار مشاكل لأنه لم يأخذ موافقة أمنية من مصر، ورفض المطار إعطائه إذن الخروج.
اضطر يزن الذهاب إلى مدير أمن المطار، واختلق "كذبة" بأنه "يريد السفر إلى خارج سوريا لزيارة أهله مدة أسبوعين (الإجازة النصفية بعد تقديم الامتحانات) ثم يعود لاستكمال دراسته بداية الفصل الثاني"، فاقتنع المدير بحيلته ووافق على سفره.
خرج من سوريا وكان متخوفًا من الجانب المصري، ولكن لم تواجهه أي مشاكل، وكانت الأمور سهلة حتى وصل غزة بسلام.
وكانت عودة يزن نهاية شهر فبراير من عام 2013، فذهب إلى جامعة الأزهر مباشرة وشرح وضعه حتى يلتحق بالفصل الثاني للعام الدراسي، ولكن الجامعة رفضت -بسبب قانون الجامعة- وبعد محاولات عدة تم التوصل إلى حساب سنة دراسية فقط من التي درسها يزن في سوريا، وسيبدأ من العام المقبل بالسنة الثانية في طب الأسنان.
ويستطرد يزن والحرقة تملأ قلبه "درست عامين ونصف في سوريا، ضاع منّي سنتين من عمري وسأتأخر 4 أعوام عن موعد تخرجي الطبيعي.. الحمد لله على كل حال بضل أحسن من غيري".
لم يفكر يزن للحظة أنه سيضيع عليه عامان من عمره هباءً منثورًا، حيث كان تخطيطه أن يأتي إلى غزة لاستكمال ما أنجزه هناك، ولم يتوقع أنه سيضطر للبدء من السنة الثانية.
سوريا من جديد
وبسبب الصعوبات والمشاكل التي واجهها يزن ومعرفته أنه سيتأخر في الدراسة، وصل إلى حالة إحباط شديد، لدرجة أنه فكر بطريقة "مجنونة" للعودة إلى سوريا رغم الوضع الدائر هناك لإكمال تعليمه حتى لا تضيع عليه سنوات دراسته.
وما أقلقه من العودة لسوريا أن يتم سؤاله عن كيفية سفره بدون أخذ الموافقة الأمنية، لافتًا إلى أنه في حال معرفتهم ذلك سيتم اعتقاله إلى إشعار آخر.
ويؤكد الشاب الفلسطيني أن تربيته في غزة وتعوده على الحصار والمعاناة أقلمته على "العيشة" في سوريا، خاصة بعد اندلاع الثورة.
وتلوح في الأفق مشكلة جديدة قد يواجهها يزن، وهي المصادقة على أوراقه الجامعية للفصل الدراسي الأخير في سوريا، مبيّنًا أن الأوراق بحاجة إلى المصادقة من ست جهات رسمية.
"عملت توكيلاً لأحد أصدقائي هناك للمصادقة على أوراقي ولكن للأسف حبس الشاب عند النظام السوري، ولا أعلم متى يفرج عنه، وبهذا يكون الفصل الأخير معلق إلى حين حصولي على الشهادات الثبوتية"، وفق قول يزن.
وبسبب ذلك فكر يزن مجددًا بالعودة إلى سوريا لإنهاء أوراقه بنفسه، ومن ثم يرجع إلى غزة، إلا أن والده وأهله منعوه من ذلك التفكير "مطلقًأ".
ويبقى يزن ينتظر "الفرج" من الله، حتى تنتهي معاناته وترتاح نفسيته، ويزول القلق الذي عاشه لعامين تقريبًا بين سوريا وغزة.