قائد الطوفان قائد الطوفان

الحاج رمضان يطعم عائلته من "بابور" الكاز

(صورة أرشيفية)
(صورة أرشيفية)

غزة- محمد أبو زايدة

يتعكز الحاج رمضان (75 عاماً) على عكازه، وبيده عدته المخصصة لتصليح "بوابير الكاز"، متجهاً إلى سوق "معسكر جباليا"، علّه يجد شخصاً ما زال يعيش على حكايات الزمن القديم، يذهب إليه طالباً تصليح "بابوره"، مقابل دراهم تصرف على عائلته.

ينتظر أذان الفجر، حتى يبدأ بتجهيز نفسه للصلاة، ومن ثم يتناول افطاره، ويضع عدة العمل داخل صندوقه الأسود.

اتخذ الحاج رمضان تصليح "البوابير" مهنة له لتعيل أسرته، ويقول " أذهب للعمل من السابعة صباحاً حتى الخامسة عصراً، لأجمع نقوداً لنشتري طعامنا ولا نمد أيدينا لأحد".

يتكفل رمضان بأربعة أحفاد، بعد أن تدخل الشيطان في ترابط العائلة، وكانت النتيجة أبغض الحلال عند الله، فطلق والد الأبناء زوجته، وأصبحوا يتامى الحنان، فاقدي سندًا لجانبهم.

الأم غادرت البيت بعد "يمين الطلاق"، تاركةً خلفها أربعة أطفال، كبيرهم كان يبلغ من العمر 6 أعوام، وصغيرهم عام واحد، وقدّر الله لهم أن تكون عمتهم غير متزوجة، لتتكفلهم وترعاهم.

عمتهم ختام 45عاماً، تعمل آذنة بروضة، راتبها 300 شيكل، لا يكفيها مواصلات، تبدأ دوامها من الساعة السادسة صباحاً، تتحدث عن ذلك وتقول " لو وجدت مصدراً للدخل في الأسرة، لما ذهبت أعمل خارج المنزل".

أصاب والدة ختام المرض، وارتفع السكر عندها، نقلتها إلى المستشفى، وضعت راتبها الشهري تكاليفاً للعلاج، صار اعتماد الأسرة من بعدها على عمل الجد حتى نهاية الشهر.

توالت الأيام، وأصبح الصغار كباراً، حاملاً كل واحدٍ منهم حكاية، حتى أضحوا اليوم أعمارهم ( فادي 21عامًا، محمد 19عامًا، مؤمن 17عامًا، وأدهم 16عامًا).

حكاية فادي وأخوته تبدأ منذ انفصال والديهم، حتى أصبحوا فاقدين للرعاية والحنان، ويقول الأخ البكر " عندما توجد الأم، تترابط الأسرة ببعضها، وعندما يترك الوالد أبناءه، تصبح الرعية بلا راعٍ".

لا يرى الأبناء والدتهم إلا في المناسبات، عندما يذهبون إليها زيارةً، والوالد قدرًا يجلسون معه، رغم قرب المسكن بينهم.

بحث فادي الصيف المنصرم عن عمل يساعد جده وعمته في مصاريف البيت، وجد رجلاً أقنعه بالعمل من السابعة صباحًا، حتى الـ12 منتصف الليل، بمصنع رخام، مقابل 20 شيقل، قبِل الشاب العرض "المغري للمحتاج".

أنهى عمله الصيف الماضي رغم قسوته على أكمل وجه، وتوجه في اجازة هذا العام ليستأنف العمل عند صاحب المصنع، إلا أنه "استغنى عن خدماته"، ولم يجد عملاً يأويه، ويسخّر له تجميد بعض الأموال لمصاريفه الجامعية.

"أدرس بالجامعة بمساعدة فاعلي الخير"، يقول فادي ويضيف، " في بعض الفصول الجامعية لا أجد من يسدد الرسوم، فأعاقَب بتأخر صدور العلامات، وهذا العام سيشاركني شقيقي الذي أنهى دراسة الثانوية العامة، وإن توفر من يتكفل واحد فينا، سأجعل الأولوية لأخي".

ويتابع "أمنيتي أن أنهي جامعتي، ولكن إذا بقي الوضع على هذا الحال؛ لن أستطيع اكمالها".

محمد رقم 2 بين أخوته، كان يذهب ليعمل في مصنع خياطة، المدير عليه هو والده، بيد أن الأخير استغنى عن خدماته بحجة " مش قادر أعطيك أجارك".

مؤمن وترتيبه الثالث بين أخوته، أنهى دراسة الثانوية العامة لهذا العام، منتظراً صدور العلامة، ومتأملاً أن ينطفيء الشوق بينه وبين الجامعة، بعد أن يسجل بتخصص معين.

والأخير من الزوجة الأولى هو أدهم، ينتظر بداية العام القادم ليخط بقدمه على سلم الثانوية العامة، واضعًا آماله أن ينهيها بتقدير يؤهله لدخول الجامعة، لا يهتم إلا بمرحلته، ولم يترك نفسه بلا عمل في إجازته الصيفية، بل بحث ولكن النتيجة..  " لا عمل".

والدهم طلق أمهم، وتزوج وأنجب خمسةً منها، مولياً غير مبالٍ بأعباء أبنائه الأربعة، فهل يترك أبناء للشقاء تحت كنفِ عجوزٍ أثخنه الكبر، بلا مبالاة.. ؟!

البث المباشر