أثَر الانقلاب العسكري في مصر على غزة, والمصالحة, وعودة المفاوضات، والتغول (الإسرائيلي) ضد الحقوق الفلسطينية، والواقع السياسي الراهن للقضية الفلسطينية، والرؤية السياسية المقبلة لحركة حماس إزاءها.. ملفات ساخنة تضعها "الرسالة" على طاولة الحوار مع القيادي البارز بحركة حماس الدكتور محمود الزهار.
مستقبل حماس
وقال الدكتور الزهار إن حماس لم تتأزم بفعل التغييرات السياسية الجديدة التي طرأت على مصر، موضحًا أن الحركة لديها قنواتها السياسية المفتوحة على الأطراف كافة في المنطقة.
وأضاف: "حماس نشأت وترعرعت في ظروف قاسية كانت ذروتها في عهد السادات الذي عانت خلاله الحركة الإسلامية في كل دول الطوق من الاضطهاد، لهذا فهي لا تشعر بهاجس أو تخوفات على مستقبلها".
وتابع الزهار: "مرت الانتفاضة الثانية وحماس كانت موجودة بقوة، وخاضت ست مواجهات متتالية منذ وصولها إلى سدة الحكم عام 2006 حتى 2012م، وكانت بمفردها ولم يقف أحد بجانبها بل تآمرت عليها أنظمة الطوق في جزء من مخطط محاصرتها والقضاء عليها".
ورفض التسليم بنتائج الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، مشيرًا إلى حجم المظاهرات التي تتصاعد يومًا بعد يوم في محافظات مصر كافة وهي تنادي بعودة الشرعية الدستورية وإرجاع الرئيس مرسي إلى منصبه.
وبيّن أن الإدارة الجديدة تعاني حالة إرباك في المشهد السياسي الداخلي والتعامل مع طبيعة الأزمة، "ما يشكك في قدرتها على الصمود والمواصلة".
وأعرب الزهار عن أسفه جراء تصاعد حالة التحريض من طرف وسائل إعلام مصرية وجهات سياسية تتبع إدارة الوضع الانقلابي في مصر ضد حركته والمقاومة الفلسطينية عمومًا، وبيًن أن العلاقة معها تشهد توترًا ملحوظا بفعل حالة التحريض المستمرة.
التحريض على القضية
واستنكر القيادي في حماس مواصلة السلطة الفلسطينية وحركة فتح حملات التحريض ضد حركته والمقاومة الفلسطينية، وشن هجومًا لاذعًا على رئيس السلطة محمود عباس واصفًا إياه بـ"الكاذب" فيما ينشره من افتراءات حول المقاومة الفلسطينية.
"ما عرضناه من وثائق نزر يسير مما نملكه من مؤامرات حركة فتح
"
ولفت إلى اتهامات عباس المسبقة ضد المقاومة الفلسطينية وقيادتها التي اتهمها بالهرب في حرب 2008م من قطاع غزة إلى سيناء، مستطردا: "عباس يتعامل مع القضايا بمنظور مخادع وليست لديه مصداقية حقيقية في تناوله الأمور".
وبيّن الزهار أن بحوزة حركته وثائق كبيرة جدًا تدين فتح بفبركة الاتهامات ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، مكملًا: "ما أظهرناه في الوثائق نزر يسير وقليل جدًا مما نملك وكشفنا عبره تورط فتح في ترويج الأكاذيب وتمكنا من نسف كل هذه الشائعات".
وقال في حديثه بـ"الرسالة نت" إن أجهزة فتح لديها مركز متكامل في القاهرة تدير عبره عمليات التزوير مع المدعو سمير الغطاس، "وتعمل وفق قرارات مباشرة من عباس".
وذكر الزهار أن الغطاس رجل مسيحي كان يعمل مع الشهيد أبو جهاد الوزير قبل أن يتلقفه محمد دحلان وينشئ له مركز "مقدس" للأبحاث بعد قدوم السلطة إلى الأراضي الفلسطينية، "وهو يحمل جواز سفر باسم مزور هو "محمد حمزة"، وكان يتجسس على حركة حماس".
وأضاف: "الإعلام المصري يحملنا مسؤولية فساد عقود من حكم مبارك وما قبل، وزعموا أننا المتسببون في أزماتهم المعيشية كنقص الوقود وغيرها من الاتهامات التي حملت غزة مسؤوليتها".
وتحدى القيادي في حماس أن تثبت الجهات المعنية مصداقية ما تروجه من أكاذيب عن دور حركته في أعمال العنف الجارية في مصر، مضيفًا: "تحدينا الجهات المعنية مرارًا أن تواجهنا بدليل واحد يثبت الأكاذيب التي تروج ضدنا بتورطنا في الأحداث الجارية لكنها لم تقدم شيئا لأنها لا تملك سوى الاتهامات والتحريض".
وبيّن أن حركته لم تكن معتمدة على مصر من البداية حتى في ظل وصول الإخوان إلى سدة الحكم بالبلاد، "كما لم تراهن على نظام قط خلال مراحلها السياسية المتلاحقة"، وفق تعبيره.
التهدئة والمصالحة
وحول الآثار المحتملة للأحداث المصرية على الواقع الميداني في قطاع غزة، لم يستبعد الزهار احتمال إقدام الاحتلال على ارتكاب حماقات ضد القطاع.
"سنختطف المزيد من الجنود (الإسرائيليين) لتحرير الأسرى
"
وأبدى جهوزية حركته للدفاع عن قطاع غزة في حال تعرض لأي عدوان جديد، رافضًا الإفصاح عن مفاجآت المقاومة المحتملة ضد أي عدوان.
وفي السياق، فإنه أكد أن حركته ستسعى بكل ما تملك إلى أسر جنود لعقد صفقة تبادل مع الاحتلال يجري بموجبها الإفراج عن الأسرى في سجون الاحتلال.
وقال الزهار: "كل الخيارات أمامنا مفتوحة على ضوء التعنت (الإسرائيلي) المستمر ضد الأسرى وإذلاله لهم ولأبناء شعبهم (...) سندفع بما أوتينا لإطلاق سراحهم من سجون الاحتلال".
وفيما يتعلق بدور الإدارة المصرية الحالية في ملف المصالحة، أكد الزهار أن الموقف الأمريكي و(الإسرائيلي) يحولان دون تحقيق أي اتفاق، وأضاف: "أمريكا لا ترغب بإتمام المصالحة، وعباس لا يريد أن يغادر الموقف السياسي الأمريكي".
وشددّ على موقف حركته الراغب في تحقيق المصالحة فورًا لترتيب أوضاع البيت الفلسطيني وفق ثوابت وطنية.
ودعا الزهار إلى تشكيل توافق وطني شامل لبحث القضايا الوطنية العليا ولاسيما على ضوء تعثر أوضاع منظمة التحرير.
وأكد أن المنظمة تعيش في حالة موت تام، "فهي لا تمثل الشعب الفلسطيني مطلقا بشكلها وترتيبها القائم"، وفق تعبيره.
وقلّل الزهار من طرح رئيس السلطة محمود عباس في ملف الانتخابات، مشككًا في مصداقية الانتخابات ونزاهتها عبر الوسائل المطروحة من طرف عباس.
وكان عباس قد اقترح إجراء انتخابات في الأراضي الفلسطينية عبر البريد الإلكتروني في حل وصفه بـ"الانتصار على الإجراءات (الإسرائيلية)".
حماس والمنطقة
هل خسرت حماس حلفاءها السابقين؟، أجاب الدكتور الزهار: "الحركة تتعامل مع الأطراف كافة وفق مفهوم التعاون خاصة الدول المؤثرة في القضية الفلسطينية".
وشدد الزهار على ضرورة العناية بتعريف "التحالف"، موضحًا أن حركته لم تعتمد يومًا في علاقتها على مبدأ المصلحة بالمطلق، "بل اعتمدت على مبدأ دور تلك الدول في نصرة القضية ومنع التدخل في أي شأن عربي داخلي".
"علاقتنا مع إيران مستمرة ولسنا جزءا من الصراع العربي الداخلي
"
أما في الملف السوري، فقال إن حركته قررت الخروج من الصراع السوري الداخلي رغبة في وقف الاستجابة مع أي موقف من مواقف الأطراف الداخلية، مبينًا أن الأطراف المتصارعة طلبت من حركته الانحياز إلى مصلحتها.
وقال: "فضلنا الخروج من المشهد عن الانحياز إلى أي طرف (...) قدمنا مبادرات عبر الأطراف المعنية كإيران لكننا أخفقنا في تحقيق مصالحة داخلية بين الأطراف المتناحرة بينهما".
وحول علاقة حركته مع إيران، نفى عضو القيادة السياسية وجود توتر في العلاقة بينهما مؤكدًا أنها متميزة.
وأوضح الزهار أن الفتور الذي شهدته العلاقة كان بفعل الانتخابات الرئاسية التي تشهدها البلاد وحدوث الانتقال الإداري فيها، "وهي مدة تتجمد خلالها العلاقات الإستراتيجية والملفات الخارجية لدى إيران".
وأضاف: "نشهد من اتصالاتنا أن القيادة الإيرانية لم تغير من موقفها وتعاملها مع الحركة".
أما عن علاقة حركته بالدول الخليجية، فأوضح أن العلاقة تشهد حالة متباينة مع تلك الدول، "فحماس لديها علاقات جيدة بدول وفاترة مع أخرى (...) هناك دول خليجية لا ترغب في الحديث مع حماس".
حماس والمشروع
فيما يتعلق بمستقبل المشروع الإسلامي في المنطقة، رفض الدكتور الزهار اتهام الإسلاميين بالفشل في إدارة الحكم، مؤكدا أنهم نجحوا منذ البداية في الصبر على المحن "ورفض الفتن الداخلية أو اللجوء إلى العنف في التعامل مع خصومهم".
وقال: "المشروع الإسلامي لم يخسر بل على العكس الآن يثبت أنه المشروع الوحيد الذي يؤمن بحق الإنسان في اختيار من يحكمه".
واستعرض تجربة الحركة الإسلامية في الحكم خلال السنوات الماضية في الدول العربية والإسلامية، مبينًا حجم المؤامرة التي تعرضت لها هذه التجربة من أمريكا وحلفائها كما حدث مع حكومة صدقي في إيران منتصف السبعينيات من القرن الماضي، "وتجربة اربكان في تركيا والتجربة الجزائرية".
ولم يقبل الزهار تسمية حكم حركة حماس في غزة بـ"التجربة"، مشيرًا إلى أنها لم تحظ بأي فرصة في ظل الحصار والحروب المتكررة التي خاضتها خلال السنوات الماضية.
وأضاف: "دعاة الديمقراطية يريدونها وفق أهدافهم وأهوائهم، ولا يرغبون مطلقا في أي وجود إسلامي، فهم عندما يأتي الإسلاميون ينقلبون عليهم كما حصل في مصر والجزائر".
ووصف ما تمر به المنطقة بـ"الخريف" الذي يعقب الربيع، "وستتساقط فيه أوراق كثيرة وتحدث حالة من الركود إيذانا بربيع يصب في مصلحة الإسلام والقضية الفلسطينية".