طوفان نحو التحرير طوفان نحو التحرير

الفسيخ يفرض حضوره و"الرنقة" خجولة !

الفسيخ في غزة (الأرشيف)
الفسيخ في غزة (الأرشيف)

غزة- أحمد الكومي

بحكم أن الفراعنة أول من صنعوا الفسيخ وأكلوه، نورد بدايةً قصة عشق المصريين للسمك المملح، علمًا بأنه أحد الأكلات المصرية الموسمية، فضلًا عن أنه أكلة فلسطينية موروثة.

وجرت العادة أن يصنع الفسيخ من سمك البوري، ويتميز برائحته النفاذة، ويطلق على صانعه اسم (الفسخاني).

ويقول باحثون وأثريون مصريون: "إن مدينة إسنا التاريخية الواقعة جنوب محافظة الأقصر/ 721 كم جنوب القاهرة ، كانت أول مدينة تعرف صناعة الفسيخ في التاريخ".

ويشير أولئك إلى أن المصريين عرفوا أكل الفسيخ ضمن طقـــوس احتفالاتهم بعيد "الشمو" المعروف اليوم باسم "شم النسيم" منذ عصور الفراعنة.

"

مدينة إسنا التاريخية الواقعة جنوب محافظة الأقصر/ 721 كم جنوب القاهرة ، كانت أول مدينة تعرف صناعة الفسيخ في التاريخ

"

وعرف المصريون القدماء عدة أنواع من الأسماك التي رسموها على جدران مقابرهم، وفي أحد الأعياد كان جميع أفراد الشعب يأكلون السمك المقلي أمام أبواب المنازل في وقت واحد.

إقبال كثيف

وفي الجارة الصغيرة (غزة) فرض الفسيخ حضوره في الأسواق وعلى قارعة الطريق، وراح الفلسطينيون بغزة يتهافتون على شراءه، وكثير منهم يتقنون صنعه في البيوت.

وتشهد العشر الأواخر من رمضان إقبالًا كثيفًا على شراء الفسيخ، ويتناولها الفلسطينيون صبيحة أول أيام عيد الفطر.

وتعدّ تجارة الفسيخ نافذة اقتصادية لكثير من العائلات الفلسطينية؛ نظرًا لانكباب الناس عليها. ويقدّر تجار استهلاك الفلسطينيين للفسيخ في أول أيام العيد بـ250 ألف كيلو، وأسعاره في متناول جميع الفئات.

يقول أبو محمد الهندي (صاحب مسمكة) لـ"الرسالة نت": "إن الفسيخ يعد وجبة رئيسية على مائدة إفطار أول أيام العيد، لكثير من المواطنين". ويؤكد أن مهنته تتميز بالطابع الموسمي وليست ثابتة طوال العام حيث يزيد الطلب خلال عيد الفطر.

وذكر أنهم يعمدون إلى تخزين كميات كبيرة من الأسماك المحلية وصنعها، وأيضًا الاستيراد من الجانبين الإسرائيلي والمصري، مع الإشارة إلى أن دخول الأسماك المصرية يجري عبر الأنفاق الأرضية.

"

تعدّ تجارة الفسيخ نافذة اقتصادية لكثير من العائلات الفلسطينية؛ نظرًا لانكباب الناس عليها. ويقدّر تجار استهلاك الفلسطينيين للفسيخ في أول أيام العيد بـ250 ألف كيلو

"

وبالحديث عن الأسماك المصرية، تعتبر الرنجة –أسماك مدخنة- من الوجبات المفضلة للمصريين، وهم أشهر آكليها بين شعوب العالم. ومن لا يفضل أكل الفسيخ من المصرين، يكون الاختيار الثاني والأكثر انتشارًا هو أكل الرنجة.

وبحكم الجوار كذلك، فإن الرنجة المصرية استطاعت أن تجد متسعًا لها على مائدة الفلسطينيين، ويجري توريدها إلى غزة عبر الأنفاق.

ويقول أحد أكبر تجار سمك الرنجة بمدينة رفح جنوب القطاع لـ"الرسالة نت" إنه ارتأى توريد وتخزين كميات "معقولة" من الرنجة إلى غزة مع إطلالة عيد الفطر. ويؤكد أن غالبية الفلسطينيين يفضلون الفسيخ عليها.

ويصف حضور الرنجة في الأسواق الفلسطينية هذا الموسم بـ"الخجول"، ويرجع ذلك إلى هدم السلطات المصرية الأنفاق الحدودية، عوضًا عن إغلاق المعبر، واشتداد الحملة الأمنية المصرية على الجانب الآخر.

ويستبشر صيادو الأسماك بغزة خيرًا مع قدوم شهر رمضان وعشية عيد الفطر؛ لكثرة الطلب على أسماك (الجرع والبوري) المستخدمة في صناعة الفسيخ.

ويعتقد الفلسطينيون أن تناول الفسيخ صباح العيد يؤدي إلى حفظ توازن المعدة، خاصة مع كثرة تناول الحلوى. كما يعتقدوا أن الفسيخ يعوضهم عن الأملاح التي فقدوها في صيامهم خلال رمضان ويحمي صحة الجسم من التعب.

"

يعتقد الفلسطينيون أن تناول الفسيخ صباح العيد يؤدي إلى حفظ توازن المعدة، خاصة مع كثرة تناول الحلوى.

"

"كلوا الفسيخ ولا تحزنوا" نصيحة توجه بها أحد الكتاب الخليجيين إلى الشعب المصري، مع تضارب الفتاوى بجواز أكله والرنجة أم لا.

ويسير ذاك الكاتب في صف من يرون جواز أكله، ويقول ساخرًا: "منذ القدم من أيام الحاكم بأمر الله الذي حرم الملوخية لأنها (دبقة) و(زلقة) ولا تعجبه، أصدر فرمانًا أو إعلانًا دستوريًا بلغة هذه الأيام؛ لمنع أكل الملوخية في كل مدن مصر وأريافها، ومع كل تلك الأوامر الصارمة استمر المصريون يأكلون الملوخية سرًا وجهرًا".

ويتفق علماء كثر على "طهارة الفسيخ وإباحة أكله، بقاءً على أصل الإباحة، ما لم يثبت الأطباء الثقات ضرره بالصحة، فإن ثبت ضرره فلا يجوز أكله".

البث المباشر