مفاوضات عسيرة استمرت أياما عدة بين أربعة من الأخوة انتهت بالسطو على مصنع العودة للبسكويت وسط مدينة غزة، وباغتيال حلم الشاب عليان التلباني (26 عامً) نجل صاحب المصنع.
تعدّدت الروايات وكثرت الإشاعات حول الجريمة التي هزَّت مدينة غزة في الثلاثين من يونيو المنصرم بعدما أقدم 4 مسلحين ملثمين على اقتحام مصنع العودة للبسكويت وارتكبوا جريمتهم عن سبق اصرار.
التفاصيل الحقيقية للجريمة ينشرها موقع"الرسالة نت" على لسان مرتكبيها بعدما تمكن من الالتقاء بهم داخل سجنهم بالكتيبة غرب مدينة غزة.
وبدت علامات التوتر والرفض للوهلة الأولى على وجوه المتهمين خلال حديثهم لـ "الرسالة نت"، عن تفاصيل الجريمة، خاصة (ع.أ) المعيل لخمسة أطفال، والذي كان يعمل موزع مبيعات في المصنع منذ عام لقاء 1300 شيقل، مؤكدًا أن علاقته بالمغدور ووالده كانت متينة وقوية.
أفراد العصابة كانوا يعملون في مقصف بمدرسة منذ سنوات عدة، وجرى طرحه عن طريق مناقصة في السوق، كانت السبب الرئيسي والأول وراء وقوع الجريمة، لا سيما أن المبلغ المطلوب وصل 34 ألف شيكل.
الأخوة الثلاثة المشاركون في الجريمة، لم يؤيدوا اقتراح شقيقهم الأكبر (ي.أ)، بشأن اقتحام خزينة المصنع في الوهلة الاولى، إلا أن ظروف عملهم في إحدى مقاصف مدارس غزة، دفعتهم للخضوع إلى مخطط أخيهم كما يقول المتهم (ع.أ).
أخذت فكرة السطو على المصنع تتبلور لدى المجرمين الأربعة شيئا فشيئا، وسط نقاشات حادة بين الأخوة بضرورة الحصول على أكبر قدر ممكن من الأموال داخل خزينة المصنع, متجاهلين حرمة المكان الذي أتاح لأحدهم فرصة عمل.
خيوط الجريمة بدأت تتكشف بعد أن صعد الموزع (ع.أ) إلى الطابق العلوي من المصنع لاستلام الراتب الشهري كالمعتاد, ومشاهدته الخزينة المالية المكتظة بالأموال, لأول مرة منذ وجوده بالمصنع.
يضيف (أ.ع) : "بعد أن تسلمت راتبي وواصلت العمل مع المحاسب, أخبرني أن أبو إياد سينهي عملي لأن المصنع يمر بأزمة, خاصة أن حجم المبيعات خلال رمضان بدأ يتراجع".
غصة أصابت (ع.أ) بعد سماعه خبر إنهاء عمله, ما دفعه إلى أفكار ممزوجة بالشيطانية عبر طرق مخالفة للشريعة والقانون، وهنا بدأ يفكر باقتراح أخيه الأكبر بشأن تأمين المصنع استعدادًا لاقتحامه, وانتهى التفكير بالموافقة.
استغل منفذو الجريمة انشغال المواطنين بموعد الافطار لتنفيذ عملية السطو على مصنع العودة للبسكويت واختاروا وقت أذان المغرب كموعد لتنفيذ عملية السطو المسلح على المصنع، مستغلين انشغال أبو إياد التلباني (صاحب المصنع) وغيره من المواطنين بمائدة الافطار.
وما عجّل تنفيذ عملية الاقتحام، إصرار الشقيق الأكبر - لاسيما وأن (ع.أ) لم يتبق على انتهاء عمله سوى يوم واحد.
ويتابع: "مجرد ما أن نطقت أمام شقيقي أني شاهدت الخزينة والأموال, أصر على اقتحام المصنع, ووافقت على ذلك, وأخذ يقول لي ما إنتا طالع من المصنع وخلينا نكسب المناقصة".
أعدّ المجرمون الملثمون عدتهم وجهزوا السلاح (مسدس وقطعتين كلاشنكوف) استعاروهم من أحد أقربائهم، واصطحبوا ابن عمهم لمساعدتهم في عملية التنفيذ وبحوزته آلة حادة.
خريطة المصنع ومكان وجود الخزينة أوضحها "العقل المدبّر" بالتفاصيل الدقيقة لأشقائه الثلاثة وابن عمه وقال: "اتفقت معهم على أن يجهزوا أنفسهم عند الساعة السادسة والنصف مساءً لدخول المصنع عبر الباص الذي أعمل من خلاله, ومن ثم أغادر المكان, حتى لا أتهم بأي شيء".
ولفت المتهم (ع.أ) إلى أن ذلك التوقيت يعد موعد دخول الشاحنات وسيارات العمل إلى بوابة المصنع الرئيسية، بعد انتهاء عمليات التوزيع على المحلات التجارية.
تجمع المجرمون في مكان ما بمخيم البريج للاجئين وسط القطاع, ينتظرون شقيقهم السائق لبدء العملية, خاصة أن صاحب المصنع يكون قد غادر المكان منتقلا إلى شقته المجاورة, ليبقى الحارس وحده متواجدًا في المكان.
وصل السائق المُخطط، ونقل العصابة إلى مكان الجريمة (المصنع)، أنزلهم هناك وسلّم السيارة في كراج المصنع وغادر على الفور، الأمر الذي لم يمكّنه من معرفة باقي تفاصيل الحادثة.
انتقلت مراسلة "الرسالة نت" للحديث مع أحد أفراد العصابة (ع.أ) الذي يلازم سائق سيارة المصنع في غرفة السجن، وأخذت منه تفاصيل ما جرى بعد انسحاب اخيه السائق من مكان الجريمة.
تلعثم لسان (ع.أ) بعد أن استدعاه الموظف الإداري بالسجن, ويقول مبررًا فعلته "إنها جاءت بعد ضغوط كبيرة من شقيقي الأكبر".
ويضيف: "خرجنا من الباص بعد مغادرة أخي, وبدأت التجول في المصنع, الأمر الذي لفت انتباه الحارس، فذهبت وأخذته لضمان استمرار نجاح العملية، لكنه صرخ بصوتٍ عالٍ".
ووفق المتهم فإن إطلاق النار بدأ من شقة صاحب المصنع بعد محاولة اقتحامها، والمساومة على تسليم المفاتيح الخاصة بخزنة الأموال والسيارة.
وفور إطلاق النار من داخل الشقة لصد الاعتداء أصيب الشقيق الأكبر (ي.أ) بطلقات في القدمين, وأخذ السلاح من أخيه الأصغر واتخذ من درج المصنع ملجأ له واصطحب معه الحارس, وبدأ بالاشتباك مع أصحاب الشقة.
وتابع: "بدأ أخي الكبير على الرغم من اصابته بإطلاق النار بشكل جنوني وعشوائي تجاه المنزل, حتى أني أذكر جيدا صراخ وحديث عليان بوقف الاشتباك, لكن سرعان ما خفت الصوت, واتضح أنه قتل".
مجرد ما أن سمع رجال الشرطة إطلاق النار في المنطقة, توجهوا مسرعين إلى المكان, وألقوا القبض على العصابة التي أصيب منها ثلاثة أشخاص جرى نقلهم لمستشفى الشفاء, ومن ثم استدعاء سائق الباص من بيته وإحالتهم إلى الجهات المتخصصة للتحقيق بالجريمة.
وأنهت النيابة التحقيق في الجريمة خلال وقت قصير، وأحالتها إلى القضاء لإصدار الأحكام الرادعة وفقًا للقانون, وسط مطالبات المواطنين بضرورة أخذ أقصى العقوبات بكل من تسول له نفسه الإقدام على مثل تلك الجرائم.