منذ الانقلاب العسكري في مصر لا يخلو يوم من غير ان نسمع تهديدا مبطنا أو صريحا من حركة فتح اتجاه غزة ومقاومتها، فالمراقب السياسي من السهولة عليه ان يلحظ النشوة البالغة التي تعتري الرئيس عباس ومن يحيط به من القيادات المنتفعة في رام الله، مما ينعكس على تصريحاتهم ومواقفهم الاستعلائية الجوفاء، فتخرج منهم التهديدات المتكررة ضد غزة وحركة حماس كان اخرها التلويح بورقة اعلان القطاع اقليما متمردا.
للأسف هناك عقليات فتحاوية تُزين وتُبهرج وتدفع بالرئيس عباس ليتخذ قرارات أكبر بكثير من قدرة سلطة محدودة الوظيفة والإمكانات، وهي أقرب للمليشيا منها إلى السلطة، والتي كان آخر ما تفتقت قريحة قيادتها عنه "التفكير بإعلان قطاع غزة إقليما متمردا" واتخاذ إجراءات قاسية أهمها قطع الكهرباء والوقود، والراتب عن موظفيها، والعمل على استقدام قوات دولية لغزو غزة وتحريرها من مقاومتها، أو الاستقواء بقوات مصرية بعد الانقلاب العسكري.
هذا التفكير الشاذ والقاصر لا يعبأ بحياة مليوني فلسطيني في أكبر ازدحام سكاني على وجه الأرض. أصحاب هذا الطرح لم يدركوا أن مجرد التفكير بذلك يعتبر جريمة وخيانة وارتدادا عن الأصول الوطنية والإنسانية، فضلاً عن تداوله والتصريح والتلويح والتهديد به.
"المضحك المبكي" مع هؤلاء الأقلية المنعزلة في مقاطعتهم الأمنية أن منهم من يتوهم ويعيش بأحلام كبيرة، ويتخيل نفسه حاكما وزعيما في دولة لها حدودها الإقليمية والدولية الممتدة والمترامية الأطراف، وجيشها القادر على حماية زعيمه وفدائه بالأنفس والأرواح والمهج، فيعيش بنفسيته المريضة متناسياً أن أرضه محتلة ممن يحميهم ويوفر لهم الأمن مقابل تأمين أكله وعيشته.
فعن أي إقليم تتحدث يا سيد عزام الأحمد؟ وأي تمرد تتخيل وأنت تحت الحذاء (الإسرائيلي) كما اعترف الرئيس عباس نفسه سابقا، وتتنقل بمنتهى الأريحية وبرعاية أمنية خاصة منهم عبر حواجزهم التي يقتل عليها أبناء من يفترض أنه شعبك، ماراً من تحت ظل علمهم ومستخدماً أوراق VIP التي تستلمها من ضباطهم.
الحديث عن إقليم متمرد هو نوع من الجنون السياسي يصيب من شاخوا وهم يصعدون أكتاف الشعب ليجنوا ثمار مصالحهم الشخصية، ومن فشلوا في تحقيق الحد الأدنى لقضية شعبهم عبر عشرات السنين من الهزائم والنكبات، حتى انتهى بهم المطاف منسقين أمنيين مع العدو.
على حركة فتح أن تتدارك الانهيار الأخلاقي والوطني الذي يدفعها البعض إليه في لحظات سكر وغياب عن الوعي، خصوصاً بعدما غابوا عن الميدان الفعلي وانزووا في الفنادق واللقاءات العبثية مع المحتل وضباط مخابراته، وعليهم ألا يسمحوا لتفكير قيادتهم الشاذ أن يقودهم إلى منازل الهلاك، يوصلهم إلى حيث حتفهم وخزيهم وانقراضهم، كما وصل بعضهم إليه بُعيد الحسم في غزة.
كما عليهم أن يدركوا إن هم استمروا في غيهم بهذه الصفاقة أنهم لن يجدوا إلا المعاملة اللائقة التي يجب أن تعاملهم بها الجماهير الفلسطينية بسبب رهنهم مستقبلهم وربطه إياه بعدوهم وابتعادهم عن المشروع الوطني.
إن غزة بقيادتها وجمهورها وشعبها وأجهزتها الأمنية الآن، هي الوجه الحقيقي لحركة التحرر الوطني في فلسطين، وهي العنوان الشرعي الوحيد في هذا الزمن الرديء، وعلى مقاطعة رام الله أن تدرك أن غزة هي النواة الصلبة السليمة، والتي لا يمكن كسرها ولو اجتمع العالم كله عليها، لأنها تستمد قوتها من الله، وتتمتع بمد جماهيري أكبر من حدودها بكثير، وصاحبة قضية عادلة وتمتلك رجال على استعداد للموت في سبيل قضيتهم وشعبهم.