يشبه شريف عياد المصري الذي فقد منزله الشهر الماضي ما حدث لعائلته على يد الجيش المصري بما كابدته آلاف العائلات الفلسطينية على يد العصابات الصهيونية إبان نكبة العام 1948.
وفي حقل مزروع بأشتال الخوخ يواصل عياد تشييد منزل من الأخشاب وأغصان الشجر حتى يأوي أسرته المكونة من ثمانية أفراد بينهم طفلة رضيعة يقول إن ميلادها سيذكره بالنكبة التي حلت بعائلته التي فقدت مقومات الحياة دون ذنب.
وروى عياد لمراسل "الرسالة نت" الذي زار رفح المصرية لبضع ساعات هذا الأسبوع ما جرى لعائلته بيد الجيش المصري دون أن يخشى حتى الملاحقة الأمنية.
وقال "وصلت جرافتان عسكريتان إلى الحقل الذي أمتلكه في الصرصورية وشرعوا بأعمال حفر وتنقيب وتدمير لأشجار الخوخ المزروع منذ عامين فقط".
وأضاف "عندما اكتشفوا عين نفق قديمة قرب المنزل كانت تستخدم في توريد الحصى إلى غزة وضعوا دبابة قربها وأفزعوا زوجتي وأطفالي لأنني كنت خارج المنزل".
وتابع قائلاً "في اليوم التالي وصلت قوات الهندسة وقامت بوضع متفجرات في النفق ورغم مناشدات زوجتي لهم بعدم تفجيره إلا أنهم أجبروها على ترك المنزل مع الأطفال وقاموا بعملية التفجير والنتيجة انهيار المنزل الذي بنيته قبل عشر سنوات".
وتمتم بحزن وهو يحتضن طفلته مليحة ثلاث سنوات "حتى ملابس هذه الطفلة وأشقائها وألعابهم دمرت مثلما دمر المنزل.. لقد ارتكبوا جريمته بلا رحمه".
وكان الجيش المصري فجر منزل عياد المكون من طابق واحد في الحادي والعشرين من الشهر الماضي دون أن يمكنه من إخلاءه من أثاثه ومعداته وفق ما قال الرجل.
ويقع منزل عياد في منطقة الصرصورية المقابلة لحي السلام الفلسطيني. وهذه المنطقة أصبحت مرتعاً لعشرات الآليات العسكرية الثقيلة وبينها دبابات "أم1 أبرامز" الأمريكية.
وفي تلك المنطقة فجر الجيش المصري سبعة عشر منزلاً معظمها من طابقين وفق إحصائية وتوثيق الناشط المصري خليل موسى.
وقال موسى "إن عمليات تدمير المنازل تجري دون مسوغ قانوني واستناداً لأحكام قانون الطوارئ ولم يتم إمهال أصحاب المنزل التي تم تفجيره سوى ثلاث ساعات".
واتهم الناشط المصري الجيش بإقامة منطقة عازلة دون تعويض السكان الذين ورثوا تلك الأراضي عن آبائهم وأجداهم.
وأوضح موسى لـ"الرسالة نت" أن الجيش استطاع خلال الأسابيع الثلاثة الماضية إقامة منطقة عازلة بطول ثلاث كيلو متر وعمق ما بين 500- 700 متر في المنطقة الواقعة بين غرب معبر رفح وحتى منطقة الصرصورية.
وعلى الأرض فجرت وحدة الهندسة أمس الثلاثاء منزلاً مكون من طابقين، وقد انتشر شريط فيديو لعملية التفجير على شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك" "ويوتيوب".
ومثل هذه التفجيرات زادت من عداء السكان المحليين ضد الجيش المصري الذي دفع بقوات من النخبة إلى المدينة بعد الانقلاب العسكري في الثالث من تموز/يوليو الماضي.
وتنشط قوات الصاعقة "777" و"999" في المدينة وقد وقعت مصادمات محدودة بينها وبين السكان احتجاجاً على سياسة تفجير المنازل المستمرة.
ونقلت تقارير صحافية هذا الأسبوع أن تلك القوات تتلقى تعليمات مباشرة من غرفة عمليات وزارة الدفاع في القاهرة.
وفي ميدان المربعة وسط المدينة يتسلل مناخ من الخوف بين السكان خصوصاً مع عودت المخبرين للعمل في المدينة لصالح المخابرات الحربية والأمن الوطني.
ويخفض مواطنون مثل عامر الذي يدير متجرا لبيع الخضار المطل على الميدان أصواتهم على الهواتف المحمولة والجلسات حين يتحدثون عن الإجراءات التي يتخذها الجيش ضد الأنفاق في المدينة.
وقال عامر الذي فقد أحد أقربائه منزله بفعل التفجير قبل أيام "هؤلاء (الجيش المصري) لا يوجد رحمه في قلوبهم ...".
ويعمل هذا الرجل بائع خضار منذ ثلاثة عقود من الزمن ويصف ما يحدث في المدينة بأنه "حكم جائر يقوده حاكم عسكري لا يرحم".
وظلت سيده ترتدي غطاء رأس تردد "حسبنا الله ونعم الوكيل فيك يا سيسي ( عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري)" بعدما دمر منزلها مطلع هذا الأسبوع في منطقة أبو حلاوة.
وكتب المغترب فريد قشطه الذي فقد معظم ما ورثه عن والده من أراض عند تشيد الشريط الحدودي بين غزة ومصر على حسابه عبر "توتير" متهكماً "عندما تصادر أرضك ويهدم منزلك فأعلم أنا ما جرى هو ضريبة لأنك تحمل الجنسية المصرية".
وقشطه يمتلك منزلاً مشيد منذ عقدين من الزمن ولا يبعد عن الشريط الحدودي سوى 150 متر وقد تحطمت معظم نوافذه ويمكن أن يدمر في أي لحظة عندما يواصل الجيش إقامة المنطقة العازل على طوال الشريط الحدودي.
وإذا واصل الجيش المصري إقامة المنطقة العازلة فإنه سيدمر حوالي ألف منزل وثلاثة مساجد بينهم مسجد صلاح الدين الشهير ومدرسة مشيدة منذ ستة عقود من الزمن تعلم في فصولهم معظم سكان تلك المدينة التي تتحول في ساعات المساء إلى مدينة أشباح.