إبعاد المرابطات.. وجه آخر لتهويد الأقصى

صورة من الأرشيف
صورة من الأرشيف

رام الله - الرسالة نت

في كل يوم تستيقظ أم رضوان متشوقة للذهاب إلى مسجد لا يبعد عن منزلها كثيرا، ترتدي ملابسها وتحضّر أطفالها وتصطحبهم معها إلى حيث تنتهي الكلمات عاجزة عن وصف جمالية المشهد بحجارة مرصوصة بإتقان حارب طول الزمن، هناك حيث المسجد الأقصى ومصلياته التي تجذب الأنظار جمالا وقدسية.

الظلم بتفاصيله

ولا تتوانى أم رضوان عمرو التي تعمل معلمة في مصاطب العلم عن ربط أطفالها بالمسجد المبارك حتى أنها سجلتهم في المدارس الشرعية التي تعتبر جزءا منه، كما لا تستطيع تخيل أي يوم من حياتها دون أن تؤدي الصلوات في المسجد أو تزوره على الأقل مرة، ولكن نظام حياتها الجميل هذا مزقته أيادي الاحتلال بتسليمها قرار إبعادها عن الأقصى لعدة أشهر.

وتقول عمرو لـ"الرسالة نت" إنها كانت تعمل بشكل منتظم في مصاطب العلم وتعطي دروسا دينية للطالبات بشكل يومي، ولكنها في إحدى المرات تعرضت للاعتقال من منزلها والتحقيق في مركز المسكوبية، وبعدها بشهرين استدعتها المخابرات "الإسرائيلية" للمركز ذاته فرفضت التوجه ظنا أنهم يريدون التحقيق معها، ولكن الاحتلال أصر على مقابلتها فلحق بها إلى مستشفى المطلع في القدس حيث كانت تتواجد مع إحدى قريباتها، وعلى مدخل المشفى حصلت مشادة بينها وبين رجال المخابرات.

وتضيف:" وقفت على باب المشفى فسلموني أمر الإبعاد عن الأقصى فرفضت التوقيع عليه، وحينها جن جنونهم وحاولوا إرغامي على ذلك ولكنني رفضت بشكل قاطع، وحاول زوجي أيضا إقناعهم بالعدول عن القرار الجائر ولكنهم جلبوا سيارة شرطة واعتقلوني بالفعل ونقلوني إلى مركز المسكوبية وهناك أبلغني أحد الضباط أن القرار ساري المفعول حتى لو رفضت التوقيع عليه، وأنني إذا اقتربت من الأقصى من مسافة 20 مترا فسيتم اعتقالي على الفور".

وتقطع العبرات حديث السيدة التي تصف تعلقها بالأقصى بالروحي؛ حيث إن المسجد يمثل كل حياتها وحياة عائلتها وأنها تحمل رسالة للدفاع عنه في وجه التهويد، وحين يغيب عن قاموس حياتها اليومي فذلك يعد خللا لا تستطيع التعايش معه، لافتة إلى أن القرار يعد جريمة بحقها وحق كل من تعلق بالمسجد.

وتتابع:" أكاد أجزم أنني أحاور حجارة الأقصى من شدة تعلقي بها، وبعد القرار الظالم الذي بدأ في الواحد والعشرين من تموز ولمدة ثلاثة أشهر أشعر وكأن حياتي ناقصة بالفعل دون التوجه إلى المسجد، كما أنني حين أوصل أطفالي إلى مدارسهم أتركهم يذهبون بمفردهم حين أصل بالقرب من البوابات وهذا شعور مؤلم للغاية أن أمنع من دخول مسجد أنتمي له، وفي العيد الماضي شعرت أنه مختلف جدا وليس له نكهة لأنني لم أدخل المسجد وكانت تكبيرات العيد كالخناجر تغرس في قلبي وأنا بعيدة عنه".

"لن ينجحوا"

سياسة الإبعاد عن المسجد الأقصى لا تطال الشبان والقيادات فحسب؛ بل إنها ممنهجة بحق النساء من طالبات ومعلمات مصاطب العلم بحجة ترديدهن التكبيرات في الباحات حين يقتحم المستوطنون المسجد بأعداد كبيرة.

وتقول المعلمة هنادي الحلواني لـ"الرسالة نت" إنه تم اعتقالها وتسليمها قرارًا بإبعادها عن المسجد الأقصى المبارك بحجة أنها قامت بالتكبير في الأقصى وتخويف المستوطنين، موضحة بأنها المرة الأولى التي يتم فيها إبعادها عن المسجد.

وتشير الحلواني إلى أن قرار إبعادها سياسي بامتياز والهدف منه هو قطع التواصل بين المرابطين ومسجدهم كي يحلو للمستوطنين اقتحامه في أي وقت يشاءون، مؤكدة بأن قرارات الإبعاد لا تؤثر على تواصل المرابطات مع المسجد لأنه يشكل لهن جزءًا لا يتجزأ من حياتهن ولا يمكن التفريط فيه.

وتضيف:" كنت أقف على مسافة قريبة من المسجد وأنظر إليه بكل حزن وسقطت دموعي على وجنتي وأنا أنظر إلى قبابه ومصلياته ولا أستطيع أن أصلها، إنه شعور محزن بالفعل وأتمنى أن تنتهي فترة إبعادي لحظة بلحظة".

وفي السياق ذاته تبين المعلمة بأن قرارات الإبعاد التي يصدرها الاحتلال بحق المرابطات تزايدت في الآونة الأخيرة رغم أنها كانت موجودة خلال العام الماضي، وأن الاحتلال وبعد انتهاء أمر الإبعاد يمنع النساء من دخول الأقصى دون مبرر وبحجج واهية كما يحدث مع السيدة أم إيهاب الجلاد التي تحاول الدخول إلى الأقصى منذ العام الماضي ولا يسمح لها.

هي حكاية الرباط في الأقصى، كلما زاد القمع زاد التعلق بحجارته وأروقته أكثر، وكأنه يبعث في النفس ألوانا من الإحساس بقدسية المكان والتي تترجم بصلوات خالصة وتكبيرات ترعب كل دخيل.

البث المباشر