يبدو أن تفسير استهداف الطيران الحربي مواطنا كان يستقل دراجة نارية أمس الأحد شمال مدينة غزة تزعم (إسرائيل) أنه ناشط في الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي لا يمكن تأويله إلا أنه محاولة لشن عدوان واسع ضد غزة عبر بوابة فصيل فلسطيني أو مجموعة عسكرية من غير حماس.
تدرك (إسرائيل) أن مسألة التسخين مع غزة أمر لا بد منه عاجلا أم آجلا لكن التوقيت يلعب دورا في هذه المسألة لأنها تريد مساحة كافية من الزمن حتى تجر المقاومة نحو التصعيد، وتكون الأولى قد حصلت على غطاء دولي يمكنها من ضرب غزة دون أن تحسس دول الجوار على الأقل بوجع في جنباتها.
يعلم الاحتلال يقينا أن التصعيد ليس في مصلحة غزة ولاسيما في الوقت الحالي نظرا إلى الظروف المحيطة التي يعيشها الإقليم، كما ليس واردا أن حماس تريد الدخول الآن في حرب ما لم يكن هناك غاية حقيقية منها، وما دام أن (إسرائيل) لم تفعلها فحماس بكل تأكيد لن تفعلها.
بناء على تجربة الحرب الأخيرة على غزة في نوفمبر 2012، فإن (إسرائيل) تنظر إلى الحرب على أنها مغامرة باهظة الثمن، لأنها ببساطة لا تعلم حجم السكان الذين سيكونون في مرمى الصواريخ: هل هم سكان (تل أبيب) أم ما بعدها؟. هذا ما يدفعها غالبا إلى التروي قبل اتخاذ الموقف الحاسم.
ذلك الإدراك يبدو أنه دفع الاحتلال إلى استهداف واحد من ناشطي المقاومة من غير "حماس" من أجل قياس رد فعل الجهاد الإسلامي مثلا أو غيرها من الفصائل، فإذا اندفعت واحدة منها نحو الرد بقوة على (إسرائيل) فهي وفرت للأخيرة غطاء على توجيه الضربة الحقيقية ضد غزة.
اعتقاد بعضهم أن (إسرائيل) ليست بحاجة إلى ذرائع لضرب القطاع قد يكون غير صحيح لعدة أسباب أهمها أنها (أي إسرائيل) بحاجة إلى من يتحمل من الفصائل الفلسطينية مسؤولية التصعيد أمام الرأي العام الدولي، بالإضافة إلى سعيها إلى اختبار قدرة المقاومة وأين بلغ مدى الصواريخ اليوم، وأخيرا ضرورة إقناعها الجبهة الداخلية بأن الجيش سيؤدي مهمة ضرورية في الحفاظ على أمن (إسرائيل).
لهذا كله، يسارع دائما "افيخاي ادرعي" المتحدث باسم جيش الاحتلال إلى تحميل حماس مسؤولية أي استهداف، ويلقي الكرة في ملعبها بمعنى أن عليها (أي حماس) أن تختار بين الحفاظ على تفاهمات التهدئة أو أن تسمح للوضع بأن يتصاعد.
تتزامن تلك التصريحات مع تسريبات أمنية (إسرائيلية) تهدف كما يقول المحلل السياسي حسن عبدو إلى اظهار الجهاد الإسلامي كأنها قوة منفلتة ومعنية بالتصعيد، "فيعمل الاحتلال من وراء ذلك على تحميل الجهاد المسؤولية عن دورة جديدة من التصعيد".
إزاء تقدير الموقف هذا، يعتقد عدنان أبو عامر المتخصص في الشأن (الإسرائيلي) أنه آن الأوان لضبط الساحة ميدانيا في غزة، "لأن (إسرائيل) لن تفرق في ردودها بين تنظيم صغير وآخر كبير، ولن تستثني أحدا".
على أي حال، الموقف بضبابتيه يحتم على الفصائل الفلسطينية بمختلف أذرعها أن تعمل وفق أجندة عسكرية واحدة تضمن منع استنزاف أي منها بزعم أنها الحلقة الأضعف خصوصا أن الإجماع على التهدئة موقف جماعي. كذلك فرط عقده يتطلب أيضا قرارا جماعيا، وإلا فإن فرص نجاح (إسرائيل) في جر القطاع نحو تصعيد واسع عبر التسخين التدريجي ستكون الأقرب إلى الواقع.