ما حدث بالأمس في المسجد الأقصى يدمي القلب ويكسر الخاطر، ويشجُّ الفؤاد، وحالة الغضب والسخط العارم التي نشعر بها ويشعر بها أبناء شعبنا وأمتنا حالة طبيعية إيجابية تعبّر عن عمق الانتماء لقضية المسلمين ومسرى خاتم الأنبياء والمرسلين.
المشاهد الصادمة التي رأيناها بالأمس يجب أن تضع كل فلسطيني (رجل، امرأة، شاب، طفل، شيخ) لديه بقية باقية من إيمان ونخوة وشهامة أمام مسؤوليته، للتحرك الميداني لمحاولة الوصول للأقصى، أو الاشتباك مع اقرب نقطة أمنية أو عسكرية للاحتلال في معركة مفتوحة لا تحدد بزمان أو مكان دفاعاً عن المقدسات والحرمات، لا أن ينتظر صواريخ غزة لتنتصر للأقصى، فالمسجد الأقصى بحاجة لتضافر كل الجهود، واليد الواحدة لا تصفق، والأمة العربية والإسلامية كذلك مطالبة بالتحرك الجاد والفاعل وجوباً لا نافلةً أو ندباً، فالقدس لسائر المسلمين، وليست ملكاً خاصاً بالفلسطينيين، والفصل الأخير من فصول المعركة بدأ لِتوِّه.
الأيام دولٌ، والحربُ سجال، يومٌ نُساءُ ويومٌ نسر، ولقد شعرنا أمس بالقهر والإهانة كما لم نشعر بذلك من قبل، فما فعله سفلة الأرض وشذاذ الآفاق لا يُتصور أن يمر دون عقاب، لكنّ ما حدث ليس نهاية المطاف، وإنما هي جولة من جولات الصراع قد يكون العدو التقط فيها صورة النصر آنياً، لكنه حتماً لن يهنأ بها طويلاً قبل أن تباغته رماح المجاهدين وسيوفهم من حيث لا يحتسب ولا يتوقع.
عهدنا بقيادة الجهاد والمقاومة والمجاهدين الأبطال أنهم ما تأخروا يوماً عن الدفاع عن ديننا ومقدساتنا وكرامة شعبنا، وقوافل الشهداء التي لم تتوقف منذ عقود تشهد، والدماء التي سالت في هذا الطريق تثبت، ومعركة سيف القدس التي أذهلت العدو قبل الصديق تقطع، إنما هي تقديرات قيادة المقاومة لاختيار الزمان والمكان المناسبين لخوض هذه المعركة، وليس الذهاب لمعركة حدد زمانها ومكانها ورسم صورتها العدو الغادر في ظل قيامه بأكبر مناورة عسكرية في تاريخه "عربات النار".
والعقاب ليس شرطاً ان يبدأ انطلاقاً من غزة وإن كانت غزة هي خط الهجوم ورأس الحربة، وإنما من خلال إشراك واقحام كل ساحات الفعل الجهادي الثوري في فلسطين المحتلة، فهذا هو التحدّي الأهم وليس فقط إطلاق الرشقات الصاروخية على العمق الصهيوني، والتي باتت على المجاهدين أسهل من شربة الماء.
من حق الجميع أن يعتب، أن يتساءل، أن يستوضح، فالأمرُ جلل، والخطبُ كبير، والعتب على قدر الثقة، وثقة الناس بقيادة الجهاد والمقاومة كبيرة، وما ردود الفعل التي أظهرت حالة من الغضب والحزن والألم على ما حدث، وما الآمال التي يعلّقها الشعب على المجاهدين، إلا تعبيرٌ حقيقي عن انتمائه لمشروع المقاومة وثقته به، كونه الجدار الأخير الذي يسند شعبنا وأمتنا إليه ظهره ويصلب به عوده، ويتطلع إليه لتحقيق آمالنا وطموحاتنا بالتحرير والعودة.
وإن من نافلة القول أن قيادة المقاومة بشرٌ يجتهدون، فيصيبون ويخطئون، وقد يكون لنا أو لبعضنا ملاحظات على أدائهم السياسي أو خطابهم الإعلامي، أو حتى قد يكون لأحدنا رأيٌ في شكل وطبيعة إدارتهم للصراع العسكري، وهذا منطقي ومستوعب، وله وقته المناسب وقنواته الخاصة التي تُطرح من خلالها مثل هذه الآراء والأفكار بهدوء، فالقوم ليسوا ملائكة ولا مؤيدين بالوحي، لكننا نثق أن الله يغشاهم برحمته وتأييده وتوفيقه، ونسأل الله أن يعينهم على نصرة دينه والدفاع عن عباده وصون مقدساته.
لكن لا يليق بأحدٍ في قلبه ذرةً من إيمان أو بقية من وطنية بحال من الأحوال أن يشكك أو يخوِّن، أو ينساق خلف ترّهات المرجفين والمثبطين، الذين قال الله فيهم: "فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ"
أيها الإخوة أيتها الأخوات:
لا يتلججنَّ في صدر أحدكم أن المجاهدين ناموا الليلة على ضيم، أو قبلوا بالإهانة، أو رضوا بالاستكانة، فوالله ثمّ والله، ما ينتظر هذا العدو من إساءة لوجهه، وما يجهّز من عقاب لكيانه، ستفرح له قلوب المؤمنين، وتخزى به قلوب المرجفين والمنافقين الظانين بالله ظن السوء، عليهم دائرة السوء.
"إن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً"
"وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوٓءَ ٱلْعَذَابِ"
الأيام بيننا يا إخوان القردة والخنازير، ووعد الله آتٍ لا محالة، وظني أنكم ترونه قريباً كما نراه قريباً.
"وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ