ليس أمامنا خيار إلا المصالحة الفلسطينية. فهناك حصار على قطاع غزة واستعداء مصري للمقاومة وفي الوقت نفسه يوجد ضغط أمريكي على الرئيس عباس يشبه ما تعرض له المرحوم ياسر عرفات، وإن كان ما هو معروض اليوم لا يساوي ربع ما عرض على أبي عمار. أعتقد أن الرئيس عباس يمتلك مرونة كافية تؤهله لتقديم تنازلات مؤلمة، وهو من قاد قطار السلام مع (إسرائيل)، ويعتبر الأب الشرعي لاتفاقية أوسلو المشؤومة، وهو من استعد لتحمل إزاحة عرفات حينما رفض الأخير التوقيع في كامب ديفيد، إلا أن ما يعرض عليه اليوم هو أمر لا يمكن لرجل مثل عباس أن ينهي حياته السياسية به. خطة كيري تعتمد على تضييع الثوابت الفلسطينية دفعة واحدة، وتتجاوز الخطوط الحمراء بوحشية مطلقة، وفي الوقت نفسه تعطي لـ(إسرائيل) كل ما تتمنى وتطلب؛ من شطب حق العودة، والاعتراف بيهودية الدولة، والسيطرة المطلقة على المدينة المقدسة، وسيادة الحدود، ونزع السلاح عن أي كيانية فلسطينية، وابتلاع المستوطنات وأرض الأغوار. بالمختصر المفيد المعروض على الرئيس عباس أن يبقى الحال على ما هو عليه، وهو هيكل سلطة بمسمى دولة، ومدن متفرقة ومتقطعة الأوصال معزولة معدومة السيادة، مع وظيفة أمنية لخدمة الاحتلال والتنسيق معه، مقابل راتب آخر الشهر. يُسرب الرئيس عباس رفضه لهذا المشروع واستعداده للتضحية بحياته، إلا أنه لم يتخذ حتى اللحظة موقفا حاسما قاطعا واضحا لا لبس فيه، وكم نتمنى أن يكون صريحا مع شعبه فلا وقت الآن للمماطلة، ولا يوجد مساحة للمناورة والمراوغة، فالمطلوب المسارعة بإعلان الموقف قبل فوات الأوان. سيجد الرئيس محمود عباس حركة حماس برجالها وكتائبها وإعلامها وسياستها ومواقفها بجانبه تدعمه وتسانده في حال قال لأمريكا لا، وتمسك بالحد الأدنى من ثوابت شعبنا، هذا الموقف نفسه وقفته حماس مع الرئيس عرفات حينما تخلى عنه القريب والبعيد. تتعرض القضية الفلسطينية اليوم لأبشع وأقسى عمليات التصفية، وجناحا النظام الفلسطيني فتح وحماس يتم محاربتهما وتشتيتهما عبر الحصار والمقاطعة من جهة، والتضيق والضغط من جهة أخرى، لهذا فالمخرج الوحيد يكمن في المصالحة الفلسطينية الجادة وترتيب البيت الداخلي على مبدأين اثنين؛ الأول الاتفاق على صياغة مشروع وطني موحد، وليكن أساسه التوافقات السابقة وعلى رأسها وثيقة الوفاق الوطني، واتفاقية القاهرة 2005، والثاني تعزيز مبدأ الشراكة الحقيقية في القرار والكفاح لجميع مكونات وأطياف وفصائل العمل الوطني.