لم تشفع تصريحات حُسن النية التي توالى قادة حماس على إطلاقها عند القيادة المصرية الحالية، التي أرخت العنان للأبواق الإعلامية المناصرة لها أن تروّج للرأي العام المصري بأن "حظر حماس يضرب الإخوان في مقتل"، حتى نجحت في استلابه.
وحدث ما توقعته أوساط سياسية فلسطينية عريضة، عندما أقدمت محكمة مصرية على إصدار حكم بحظر أنشطة حماس ومصادرة مقراتها، كونها تشترك مع جماعة الإخوان المسلمين في المرجعية الفكرية.
ومن المؤكد أن الحُكم سيزيد حدة التوتر بين الحركة والقيادة المصرية الذي بدأ منذ عزل الرئيس المصري محمد مرسي في 3 يوليو/تموز الماضي، فالأولى تصرّ على أنها لا تتبع جماعة الإخوان تنظيميا، وأنها مستقلة بمؤسساتها.
ويشير تصريح القيادي البارز في حماس محمود الزهار نية الحركة التوجه إلى القضاء إذا ما صُنّفت "إرهابية"، إلى أنها انتقلت من خطة الدفاع إلى الهجوم، بدليل أنها اتجهت حديثا إلى التصعيد السلمي مع مصر، بدأته بفعاليات شعبية وتضامنية في مدينة رفح الحدودية.
ولا يعلم أغلب المراقبين طبيعة الحراك المقبل بين حماس والجمهورية، رغم إجماعهم على أن قرار حظر الحركة سياسي بامتياز "وليس له من رائحة القضاء شيء"، بوصف الكاتب حلمي الأسمر.
حماس حركة سياسية
الخبير المصري في القانون الدولي جمال عرفة قال لـ"الرسالة نت" إنه لا يوجد أمام حماس ما تفعله "لأن القرار واضح أنه سياسي". ورأى أن كل ما يمكن أن تفعله الحركة سياسيا هو ضبط النفس وعدم الانجرار إلى التصعيد.
وأكد أن تصعيد الخلاف مع حماس يُراد من خلاله إنزال مزيد من التضييق على قطاع غزة.
"عرفة: الأفضل للحركة ألا تلتفت إلى مثل هذه الأحكام
"
قانونيا، شرح الخبير عرفة أن "بإمكان حماس وفق الإجراءات القانونية المعتادة تكليف أحد المحامين للطعن في الحكم أمام المحاكم المصرية، كونه ليس نهائيا"، مستدركا: "الحكم يطعن فيه أحد المتضررين، والمتضرر هنا حماس".
صفحات التاريخ تروي أن حماس تعاملت مع كل الحكومات المصرية، فضلا عن وجود تفاهمات مع الدولة، وهي برأي مراقبين دلائل ملموسة تؤكد أنها حركة سياسية "وليست منظمة إرهابية".
ويعلق الدكتور محمود العجرمي الكاتب والمحلل السياسي بالقول: "حماس قدمت كل ما يجب أن تقدمه، باستعدادها الكامل لاستقبال أي وفد محايد من الجامعة العربية أو أي جهة يمكن أن تُحكّم في الموضوع، حتى أنها تطالب بمجيء وفد مصري، وجاهزة لتقديم كل الدلائل التي تؤكد أن كل ما يجري ليس أكثر من حملة ظالمة ومضللة ومستغربة من القضاء المصري".
واعتبر العجرمي في حديث مع "الرسالة نت" أن محكمة الأمور المستعجلة "واضح أنها مسيسة، حتى أنها لم تثبت واقعة واحدة ضد حماس". وقال: "المقاومة الفلسطينية بوصلتها موجهة نحو العدو، وحماس تعتبر نفسها سندا أمينا وحصنا متينا لحماية الأمن القومي المصري من بوابته الشرقية (..) هذا ما تؤكده العلاقة الدائمة بين الشعبين".
ومضى يقول: "أعتقد أن حماس تعتبر أن القرار لا علاقة له بالتاريخ الوطني العريق للشعب المصري، فالنظام في مصر وضع نفسه في موقع غريب ومستهجن، وما جرى سابقة في تاريخ العلاقات العربية-الفلسطينية".
ودافع العجرمي عن حماس وسياساتها وأجندتها الوطنية، مؤكدا أنها الفصيل الوطني الوحيد الذي لم ينفذ عملية واحدة خارج الوطن الفلسطيني المحتل.
كراهية التيار الإسلامي
مراقبون يؤكدون أن قرار حظر حماس أضاف إساءة جديدة لمصر وتاريخها. وهنا يشرح الخبير الدولي عرفة أن "المشكلة ليست مرتبطة بحركة حماس لوحدها، إنما بالنظام الموجود الآن في مصر"، موضحا أن الحكم الذي صدر لا يستهدف حماس فقط بل كل المعارضين للانقلاب، وعلى رأسهم الحركات الإسلامية الداعمة للشرعية.
"العجرمي: ما جرى سابقة في تاريخ العلاقات العربية-الفلسطينية
"
وقال إن المحامين الناصريين واليساريين يتحركون في مصر الآن بدافع الكراهية للتيار الإسلامي، "مع العلم أن الذي رفع دعوى مستعجلة ضد حماس، هو محام ناصري معروف"، وفق عرفة.
ولم يستبعد الخبير الدولي أن تتجه القيادة المصرية الحالية إلى معاقبة حركات إسلامية أخرى خارج مصر أو دول أخرى، مضيفا: "نحن نلاحظ اليوم الحملة التي تشن على دولتي قطر وتركيا".
الأفضل لحماس -والكلام لعرفة- أن تركّز على الاستمرار في النهج الذي تتجه له "محاربة العدو (الإسرائيلي)" وألا تلتفت كثيرا لمثل هذه الأحكام، "لأنها مسألة وقتية ستزول بزوال الانقلاب".
ولم يخف عرفة إمكانية أن يعطي الحكم (إسرائيل) الضوء الأخضر لشن عدوان على قطاع غزة، واعتبر ذلك "من الآثار غير المباشرة للحكم"، لكن الأهم من وجه نظره هو "أن القاهرة باتت غير مؤهلة الآن لأن تقوم بدور في المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، لأنها اصبحت الآن عدوا لحماس وطرفا غير محايد".
وبهذا تكون حماس أمام خيارين إما ضبط النفس أو الطعن ومواجهة القضاء المصري الذي سبق أن اتهم الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي بسرقة الدجاج!