قائد الطوفان قائد الطوفان

الإرهاب اليهودي بين "التأصيل الفقهي" ورعاية الدولة

مستوطنون يهود  (أرشيف)
مستوطنون يهود (أرشيف)

د. صالح النعامي

هذه أصبحت ظاهرة اعتيادية، يستيقظ الفلسطينيون في الضفة الغربية أو داخل الخط الأخضر ليكتشفوا أن مسجداً أو وكنيسة قد أحرقت، أو مقبرة قد دنست، أو كرم زيتون قد اقتلعت أشجاره، أو بئر ماء دمر، أو سيارة أعطبت.

 ففي أقل من أسبوع، أحرق مسجد في مدينة "أم الفحم"، وكتبت شعارات معادية للفلسطينيين والمسلمين على جدران مسجد في بلدة "الفريديس".

 وفي جميع الحالات، فإن منفذي الهجوم يعلنون أنهم يمثلون جماعة "شارة ثمن"، اليهودية الإرهابية، وهي جماعة ذات خلفية دينية وأيديولوجية، وبنية تنظيمية فضفاضة.

 وقد جاء اختيار اسم "شارة ثمن" ليعني أنه يتوجب جباية ثمن من الفلسطينيين لقاء أي سلوك منهم أو من الحكومة (الإسرائيلية) يؤثر "سلباً" على المشروع الاستيطاني.

وعلى الرغم من أن "شارة ثمن" تفتقر لنسق قيادي موحد، لكن أفرادها في الوقت ذاته، يلتقون حول فكرة "قدسية المس بالعرب"، على اعتبار أنها وسيلة لتكريس الوجود الاستيطاني اليهودي في أرجاء الضفة الغربية.

 وينطلق إرهابيو "شارة ثمن" من مستوطنات في جميع مناطق الضفة الغربية والقدس، لكن مما لا شك أن مستوطنة "يتسهار"، القريبة من نابلس، وسط الضفة الغربية، تمثل "النواة الصلبة" لهؤلاء الإرهابيين.

ويشير حاييم ليفنسون إلى أن "شارة ثمن" انطلقت عام 2008، داخل "يتسهار"، مشيراً إلى أن مستوطنين من مستوطنات أخرى أخذوا ينخرطون في أنشطتها، حتى أصبحت عملياتها تغطي جميع أرجاء الضفة الغربية والقدس والبلدات الفلسطينية داخل الخط الأخضر(هارتس،1-5-2014).

"التأصيل الفقهي"

لا يمكن فهم اتساع الأنشطة الإرهابية لـ "شارة ثمن" بدون التعرف على الدور الذي تقوم به مرجعيات "الإفتاء" اليهودية في إضفاء شرعية على هذه الأنشطة.

وعلى الرغم من أن عدداً من كبار الحاخامات قد أفتوا بجواز تنفيذ عمليات "شارة ثمن"، إلا أن الذي لعب الدور الرئيس في "التأصيل الفقهي" لتبرير هذه العمليات الإرهابية هو الحاخام يتسحاك جينزبورغ، أحد أبرز المرجعيات الدينية اليهودية، والذي يدير مدرسة دينية في "يتسهار".

ومن المثير التعرف على "المسوغات الفقهية" التي يطرحها جينزبورغ لتبرير هذا الإرهاب، حيث يقول: "المجتمع (الإسرائيلي) يمر بمرحلة ولادة من جديد، ونظراً لأن عملية الولادة تكون مقترنة بآلام لكل من الأم والجنين، فإن الجنين يهتز بفعل الألم في كل اتجاه، لتخفيف الألم، ويقوم بأعمال غير خاضعة للسيطرة، وعمليات التخريب التي يقوم بها الشباب اليهودي في مواجهة الغوييم (غير اليهود)، هي مثال على هذه الأعمال غير الخاضعة للسيطرة" (معاريف،28-4-2014).

ويرى جينزبورغ أن "يتسهار" التي تحتضن نشطاء "شارة ثمن" تمثل في الوقت "رحماً سيلد الشعب الجديد"، الذي سيعيد بناء دولته ومؤسساتها من جديد.

والحاخام جينزبورغ هو الذي سبق له أن ألف كتاب "باروخ البطل"، والذي تضمن "تأصيلاً فقهياً" لتبرير المجزرة التي ارتكبها المجرم باروخ جولدشتاين في 15فبراير 1994، عندما أطلق النار على عشرات المصلين وهم ركع أثناء تأديتهم صلاة الفجر في المسجد الإبراهيمي في الخليل، فقتل 29 مصليا وجرح العشرات.

ويحظى الاتجاه الذي سلكه جينزبورغ في "التأصيل الفقهي" لتبرير إرهاب "شارة ثمن" بدعم عدد كبير من مرجعيات دينية بارزة، على رأسها: الحاخامات: دون ليئور، وإسحاق ليفانون، وأبراهام ملميد، وغيرهم.

غطاء الحكومة ورعايتها

على الرغم من أن عام 2008، مثل انطلاق عمليات "شارة ثمن" في صورتها العنيفة، إلا أن هناك في (إسرائيل) من يرى أن جذور هذه التشكيلات الإرهابية تمتد إلى عام 1998، عندما ظهر في المستوطنات مجموعات أطلق عليها "فتية التلال"، وهي المجموعات التي تشكلت بناء على تعمليات واضحة ومباشرة من أرئيل شارون عندما كان يشغل منصب وزير الخارجية في حكومة بنيامين نتنياهو الأولى.

 فعندما  فشلت مفاوضات "واي بلانتيشن" عام 1998، والتي جمعت نتنياهو بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، طالب شارون المئات من شباب المستوطنات الذين استقبلوه في مطار "بن غوريون" بحسم مصير الضفة الغربية عبر السيطرة على تلال الضفة الغربية.

 وهذا ما حدث بالفعل، حيث توجه هؤلاء الشباب للسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية الخاصة.

 وقد أطلق فيما بعد على هؤلاء الشباب "فتية التلال"، وهو ما بات يمثل "تياراً فضفاضاً" متجانسا من ناحية فكرية ولا يربطه نسق قيادي موحد، تماماً كـ "شارة ثمن".

 وقد نشأت عن ظاهرة "فتية التلال" ما بات يعرف "النقاط الاستيطانية غير الشرعية".

 فلم يكتف "فتية التلال" بالسيطرة على التلال، كما حثهم شارون، بل أقاموا فوقها أيضاً نقاطاً استيطانية بدون إذن الحكومة.

 وهناك في (إسرائيل) من يرى أن "شارة الثمن" قد ولدت من رحم "فتية التلال"، حيث أنه بعد الانتهاء من السيطرة على معظم التلال في الضفة الغربية، فإن كثيراً من هؤلاء قد انتقلوا للعمل الإرهابي تحت غطاء "شارة ثمن".

 وعلى الرغم من أن نتنياهو يحذر من خطوة عمليات "شارة ثمن" على (إسرائيل) وصورتها الدولية، لكن وزراء في حكومته يرفضون تعقب أفرادها، ومحاسبتهم.

 فقد رفض وزير الإسكان أوري أرئيل صراحة أية إجراءات تستهدف طلاب مدرسة في "يتسهار" ثبت أنهم يشاركون بفاعلية في عمليات "شارة ثمن".

 وفي ذاته، فإن وزير الاقتصادي نفتالي بنات، الذي يتزعم حزب "البيت اليهودي"، ثالث أكبر حزب في الائتلاف لم يتردد بالتهديد من الانسحاب من الحكومة في حال توقيف المرجعيات الدينية التي تحرض على الإرهاب والعنف، حتى عندما يطال جنود جيش الاحتلال، كما حدث في "يتسهار" قبل أسبوعين.

قصارى القول، توفر (إسرائيل) كل المقومات التي تسمح بتعاظم الإرهاب اليهودي الأسود الموجه ضد الفلسطينيين ليفاقم عبء وتأثير العدوان الذي يمارسه جيش الاحتلال بقصد المس بقدرة الفلسطينيين على الصمود.

البث المباشر