لا ينسى اللاجئ الفلسطيني عبدالحميد يوسف البيومي (80 عاما) لذة العيش في "وادي العسل" ببلدة أسدود, مخفيا الدمع الذي تحجر في مقلتيه لكن بريقه كشف مدى ألمه.
ذاكرة البيومي الذي ولد عام 1934 ملبدة بمشاهد الحياة في أسدود والهجرة منها, وانهمرت الذكريات خلال حديثه لـ"الرسالة نت" عن بلدته في الذكرى السادسة والستين للنكبة الفلسطينية.
محفورة بذاكرته
منزل القرميد, وبئر الماء العذب, والتوتتين البيضاء والحمراء, ذكريات جميلة تعلق في ذاكرة الرجل الذي بلغ من الكبر عتيا.
أطلق البيومي تنهيدة من قاع صدره وقال: " كانت الوالدة تحلب البقرة فجرًا وتخبز عالطابون وتجهز الفتة بالحليب وتنثر السكر وتسكب السمن عليها وأفطر قبل أن أخرج للدراسة".
ويضيف: "درست للصف السادس في أسدود وكنت أحب الدراسة وبعدما أعود للبيت أنهي واجباتي وأنطلق للعب وسقاية الأشجار والمساعدة في فلاحة الأرض ونثر الحبوب".
وادي العسل
ويتابع البيومي: "كان لنا 200 دونم في وادي العسل نزرعها بالقمح والذرة والسمسم والبطيخ وكان في بيارتنا بئر ماء نسقي منه أكثر من نصف البلدة".
وسمي "وادي العسل" الذي ولد فيه اللاجئ البيومي بهذا الاسم نسبة للنحل الذي كان ينسج خلاياه وأقراص العسل في حفر على جانبي المنطقة المنخفضة التي عاش فيها بأسدود.
واستطرد البيومي بالقول: "بيتنا كان موجود شمال أسدود ويتكون من أربع غرف قرميد وفيه مطمورة للحبوب وعنا جمل و4 بقرات وشجرتين توت وتحتهم 10 خلايا نحل نقطفهم في الربيع".
وأشار إلى أن أهل أسدود كانوا يعتمدون على الزراعة وتصدير البطيخ والطماطم والسمسم إلى يافا وعدد من المدن الفلسطينية.
وأوضح البيومي أن عدد أفراد بلدته قبل الهجرة بلغ تسعة آلاف شخص, من أربع عائلات وهي" جودة –البيومي- وزقوت وعائلتي المناعمة والدعالسة".
ولفت إلى أنه في يوم أربعاء من كل أسبوع كان يزور أسدود ممرض مختص في أمراض العيون ويجلس في بيت المختار وتتوجه العائلات إليه, ومن كان يمرض مرضا شديدا يذهب إلى المجدل أو غزة أو يافا للعلاج.
وتزوج اللاجئ البيومي بعد عامين من الهجرة عندما كان عمره خمسة عشر عاما ولديه 6 أولاد ذكور وبنت واحدة ونحو 45 حفيدا.
وأكد أنه دائما يجمع أحفاده وأولاده ويحدثهم عن أسدود وجمالها حتى يعرفوا أن لديهم حق يجب المطالبة به دائما.
وتمنى البيومي العودة إلى أسدود لتنتهي مرارة الهجرة وليعيش في بلدته بعزة وكرامة دون منة أو شفقة من أحد.
محطات الهجرة
وفور الهجرة من أسدود عام 1948 إنتقل اللاجئ البيومي إلى بلدة حمامة مع عائلته فارا من العصابات "الاسرائيلية" ومن ثم إلى المجدل وبعدها إلى بربرة وصولا إلى بيت لاهيا فالشجاعية حتى استقر به الحال في مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة.
واشترى البيومي متجرا وسط المخيم عام 1977 وبدأ يبيع فيه موادا تموينية ولاحقا لجأ لبيع الأدوات المنزلية وله زبائن يأتونه من أنحاء النصيرات كافة لمعاملته الطيبة وشعاره الذي يرفعه "حب الناس رأس المال".
ويقول إن اللاجئين الفلسطينيين ليس لهم أي قيمة إلا في فلسطين وما يجري من قتل وتعذيب وتهجير في سوريا ولبنان وغيرها من الدول أكبر دليل على هذا.
ويرفض المسن المثقف سياسيا أي دعوات للتوطين في الأردن أو سيناء ويصف من يطلقون هذه الدعوات بالمشبوهين قائلا: "أفضل أن أكون راعيا للأغنام في فلسطين على أن أكون ملكا في دولة أخرى".
الأفراح والأتراح
ابتسم البيومي عندما سُئل عن الأفراح في أسدود مقارنة بأفراح اليوم, قائلا: "لا يوجد وجه للمقارنة بين أفراح الماضي والحاضر لأن جمال ورعة الأفراح قبل الهجرة لن تتكرر فقد تغيرت العادات والسلوكيات كليا".
وأضاف: "كنا نعمل سامر لثلاثة أيام ودبكة شعبية والنساء يعملن حلقات ويبدأن بالغناء ومن لديه قطين -التين المجفف- والزبيب –العنب المجفف- يملأ كيسا ويبدأ بنثره على المحتفلين فيأكلوا ويفرحوا".
أما إذا توفي أحد من البلدة كان الجميع يبدي حزنا كبيرا وتتوقف كل الأعمال وتؤجل الأفراح وتشارك كل العائلات في تشييع الجثمان ودفنه في مقبرة البلدة ولا يتخلف أحدا, على عكس اليوم, كما يقول اللاجئ البيومي.
العودة بالوحدة
ودعا اللاجئ البيومي لتوحيد الصفوف وإتمام المصالحة الفلسطينية لأنها أولى خطوات العودة إلى فلسطين وانتزاع الحقوق التي التهمها الاحتلال منذ 66 عاما ومازال.
وتمنى العودة للعمل الجماعي والتكافل والتراحم ونبذ الأنانية لينعم المجتمع الفلسطيني بالخير.
وأكد أن الأمل في العودة موجود لديه قبل أن يكون حتميا لأولاده وأحفاده من بعد رحيله رغم أنف "اسرائيل" ومن يقف خلفها.