"اسكتي وعيشي أحسن ما تطلقي" جملة ترددها كثير من الأمهات داخل المجتمع الغزي على مسامع الابنة المتزوجة للرضا بعيشتها حينما تأتي باكية شاكية عنف واعتداء زوجها عليها خشية الطلاق أو الفضيحة.
نصيحة الأمهات تقع كالصاعقة على قلوب بناتهن المعنفات اللاتي يتعرضن للضرب المبرح والألفاظ النابية.
مشاهد كثيرة نراها أمام أعيننا في الشارع فقد نرى رجلا يضرب زوجته ويقذفها بألفاظ نابية، وآخر يرمي ملابسها في الشارع ويطردها وأبناؤها يبكون دون أن تشفع له دموعهم ، حيث لم يقتصر العنف على المتزوجات بل يطال الفتيات على يد ذويهن ، ما سبق دفع "الرسالة نت" للبحث خلف تلك الرضوض والكدمات المنتشرة على ملامح المعنفات لمعرفة أسبابها.
آثار الضرب
في المحكمة الشرعية تمام الساعة التاسعة صباحا جلست الموظفة "ليلى" - اسم مستعار- التي جاءت بصحبة والدها تنتظر دخولها على القاضي لحل مشكلتها بعدما تجرعت شتى انواع العنف من زوجها سواء لفظيا او جسديا من اجل أن يستحوذ على راتبها كاملا ما عدا بضعة شواكل للمواصلات إلى عملها.
وتقول أن زوجها يتقاضى راتبا أكبر من رابتها إلا أن مشكلته -حسب قولها- أنه بخيل.
حاولت أن تشتكيه لذويه لكنهم كانوا يؤيدون ابنهم ولا سيما والدته التي كانت تدفعه لضربها وتردد على مسامعها "منيح اللي رضي يأخذك"، وحينما لم تجد حلولا توجهت لذويها الا انهم كانوا يخشون عليها أن تطلق فيردوها إليه، وعند عودتها يطلب منها تقبيل قدميه كنوع من الصلح.
أنصتت "الرسالة نت" إلى حكاية "ليلى" التي قابلتها داخل المحكمة الشرعية وقد لفت بدها بـ "الجبس" بعدما كسرها زوجها وزادت المشكلات بينهما مما دفع رجال الاصلاح لإرجاعها الى زوجها لكن بشروط ارادت توثيقها في المحكمة لحفظ ما تبقى من كرامتها .
لم يقتصر العنف على الأزواج فهذه حكاية "ل.غ" - 39 عاما- كما ترويها للرسالة، فقد ذاقت أنواع التعذيب من قبل أشقائها ووالدتها وتم حبسها في غرفة معتمة بعدما أدركوا قبل تسع سنوات ممارستها النشاط السياسي.
ممارسة النشاط السياسي لم يكن السبب المباشر لتعذيبها فانتماؤها بشكل رسمي لأحد الاحزاب السياسية وتقاضيها راتبا أثار طمعهم، فقد كانت تمنحهم ما يريدون من مال لكنهم أرادوه كله.
جلست على المقعد لتروي قصة عذابها. تماسكت وراحت تسرد ما حدث معها قائلة: "كنت أشارك في العمل السياسي دون علم اهلي ، فعند خروجي كانوا يظنون ذهابي لمشغل التطريز(..) بعد فترة كشف أمري وضربني اخوتي وأصبحت حبيسة غرفتي فدوما كانوا يعايرونني بالحروق الطفيفة التي في جسدي ويرددون أن لا أحد يرغب الزواج مني".
لم تستطع استكمال حديثها لبرهة من الوقت لكنها عادت بعدما جففت دموعها: "كنت اتوسل أمي لإخراجي من الغرفة لكنها كانت تضربني من أجل الراتب رغم أن وضعهم المادي أكثر من جيد".
بعد عدة أشهر تمكنت "ل.ع" من الهروب من بيتها وذهبت لرجال الاصلاح لمساعدتها واعادة اموالها فحظيت بمكان آمن وتزوجت، فما كان من ذويها سوى تتبع زوجها وإغرائه بالزواج من أخرى افضل منها لكنه اصر على موقفه وكان القاضي وكيلها في اجراءات الزواج.
ورغم عدم معرفة نسبة النساء المعنفات اللواتي يترددن على المحاكم الشرعية و تسمع اصواتهن وحكاياتهن من خلف جدران المنازل حتى وصولهن للمستشفيات ، توجهنا للمباحث الطبية للحصول على احصائية دقيقة.
طالبنا الرائد محمد المعصوابي الحصول على احصائيات منذ التواصل معه من اللحظة الأولى حتى موعد المقابلة فلم نجد عنده نتيجة توثق حالات خاصة بتعنيف النساء منذ عام ونصف.
"10% من إجمالي الدعاوى التي تصل للمحكمة الشرعية تكون من نساء معنفات معنويا كالهجر والتعنيف بالكلام الجارح
"
ولفت إلى أن عدم تدوين أية حالة لا يعني عدم تعرض النساء للعنف فتحضر الكثيرات وعلى وجوههن كدمات واثار الضرب لكنهن لا يفصحن عن المعتدي لطبيعة مجتمعنا ، وبعد التحريات يكون المعتدي الزوج أو احد الاقارب لكن السيدات يرفضن تدوين اسمه.
وأوضح أنه في حال وجدوا حالات فيها شبهات جنائية وتصر البنت على النفي تفتح الشرطة تحقيقا وعند ثبوت أن أحد الاقارب أو الزوج هو المعتدي تؤخذ الاجراءات القانونية.
ومن خلال عمله في المباحث الطبية طيلة العامين ذكر المعصوابي أن أشكال الاعتداء تكون خلافات مع الزوج مما يدفع الزوجة لإيذاء نفسها بشرب كميات من الادوية ، حيث يوجد 80% من حالات ايذاء النفس لسيدات أردن أن يلفتن الانتباه عند منعهن من ممارسة حقوقهن.
ما تحدث به مدير المباحث الطبية يدلل على أن العنف الممارس ضد النساء قد يكون بطريقة غير مباشرة دون رضوض او كدمات ، الامر الذي يدفع بعضهن لمحاولة الانتحار نتيجة الضغط عليهن.
الفضيحة والطلاق
ولعدم التوصل إلى احصائية واضحة للعنف ضد النساء توجهنا إلى مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة للحديث مع مديرته زينب الغنيمي عن حجم ظاهرة العنف ضد النساء, فقالت: "دراسات العنف لا تأخذ الارقام الفعلية للنساء المعنفات"، موضحة أن كثيرا من السيدات لا يعتبرن اللطم على الوجه أو التعرض لتعنيف لفظي مهين عنفا وذلك عائد إلى طبيعة ثقافتهن.
وبينت أن قلة الدراسات ترجع إلى أن المرأة اقل وعيا وادراكا وذلك لحاجتها للتوجيه واعطاءها تعليمات لإيقاف الرجل عن العنف ، مشيرة إلى أن المرأة قد تتعرض للعنف من أم واخت الزوج اللتين تتقمصان دور الرجل في توجيه التعليمات .
ولفتت إلى أنه وفق مواقف عدة شهدتها بأن تعنيف المرأة من افراد اسرتها بما فيها ابناؤها أصبح عاديا فبعض الابناء قد يقول لأمه " بكفي تخبيص اسكتي بلاش اضربك".
ووفق طبيعة عملها في المركز القانوني تلجأ إليها كثير من السيدات المعنفات من ذويهن أو ازواجهن يشكين حالهن لكن عند المضي في الاجراءات يتراجعن في اللحظة الاخيرة تجنبا للعواقب ومنها الطلاق.
ومن مبررات إسقاط النساء المعنفات لحقوقهن سواء على صعيد القضاء المدني أو الشرعي بطء الاجراءات القانونية لأخذ حقوقهن ، وهنا يرد عبد الخالق البحيصي مدير دائرة الارشاد الاسرى في المحكمة الشرعية:" القضاء الشرعي منح المرأة أربع حالات لتنهى زواجها : طلاق الضرر للهجر والتعليق، وتطليق للشقاق والنزاع وكذلك تطليق السفر والغياب "الغياب سنة والحكم عليه اربع سنوات جنائيا" ، والطلاق لعدم الانفاق"، مضيفا : توجد حالة أخرى يجرى دراستها لتطبيقها في غزة وهي الخلع كأن تفدي المرأة نفسها بمالها.
ما سبق يبين أن الشرع يعطي المرأة مساحة لنيل حريتها في حال اصابها الضرر نتيجة العنف .
بطء الإجراءات القانونية
وبعد متابعة قضية العنف ضد النساء كان لابد من زيارة احدى المحاميات فطرقنا باب المحامية اصلاح حسنية لتحكي ما يحدث مع المعنفات عند القيام بالإجراءات القانونية .
تقول :" حينما تذهب الفتاة أو المرأة المعنفة للشرطة للشكوى من أحد الاقارب لا يتعاطون معها كثيرا مرددين " انتِ بنت ناس "، مبينة أنه في حال اصرت المرأة على الشكوى يوجد تقاعس في الاجراءات القانونية.
ومن أبرز المعيقات التي تواجهها عند الدفاع عن امرأة معنفة تريد الطلاق او تطالب بحقها أوضحت أن التحقيقات تكون بطيئة بعكس لو كان المشتكي رجلا، وفي حال وصلت القضية إلى القضاء يمنح الجاني حكما مخففا.
ولفتت حسنيه إلى أن كثيرا من النساء عند رفع القضية يتراجعن خشية العادات والتقاليد ، او خشية حرمانها من صغارها .
وكما ذكرت المحامية فإن بعض الحالات التي تتجرأ وتستكمل إجراءاتها تنظر أمام القضاء ، لذا كان لابد من الحديث إلى رئيس محكمة الصلح خليل البطش حيث ذكر أن قضايا التي ترفعها النساء المعنفات ضعيفة جدا لاسيما المتعلقة بالاعتداء من أجل التعذيب حيث تحول من النيابة للقضاء.
وأكد على أنه لا يوجد قانون معين يحدد عقوبة من يعتدي على النساء ، لذا من يعتدي عليهن يأخذ العقوبة العادية التي حددها قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 لمن يعتدي على كرامة الانسان.
ولفت البطش إلى أن هناك قانون عقوبات جديد لكنه لم يسن للتشريع ، متأملا أن يتم تعديل بعض النصوص القانونية من خلاله ولا سيما المتعلقة بالاعتداءات الزوجية وذلك لوجود العيوب التشريعية.
ماذا وراء العنف؟
ورغم عدم اعتراف كثير من السيدات المعنفات تعرضهن للضرب حينما ينقلن للمستشفيات ، إلا أن حالات كثيرة تحولها مراكز الشرطة والجهات الرسمية الى بيت الامان.
دخول الصحافة إلى بيت الامان ليس سهلا فكان لابد من القيام ببعض الاجراءات وذلك لسرية المكان.
وقبل دخولنا التقينا اعتماد الطرشاوي مدير عام الرعاية الاجتماعية والتأهيل في وزارة الشئون الاجتماعية، تحدثت أن غالبية الحالات تصل عن طريق الشرطة أو لوحدها بشكل مباشر وتستقبلها الاخصائية الاجتماعية.
ووصفت طبيعة البرامج التي تقدمها وزارتها "الشئون الاجتماعية" أنها تتمثل ببرامج التأهيل المهني وإعادة الدمج المجتمعي وحماية المرأة ، موضحة أنهم لا يتركوا المرأة تعاني وحدها بل يتم التواصل مع رجال الاصلاح لحل مشكلتها لتعود إلى بيتها وفق شروط معينة .
وردا على الانتقادات التي توجه لـ"بيت الامان" بان وجوده يساعد على زيادة العنف, ردت الطرشاوي بانهم يعملون على مكافحته قبل وقوعه من خلال حملات توعوية للنساء والرجال والتحذير من خطورة ظاهرة العنف في المجتمع وشرح اثره على الاسرة والافراد.
وأكدت أن عنف النساء ليس ظاهرة ضخمة في مجتمعنا.
بعد حصولنا على توقيع الطرشاوي لدخول البيت استقبلتنا مديرته هنادي سكيك حيث بينت بأنه منذ افتتاح البيت عام 2012 سجلت 140 حالة خلافات زوجية واسرية.
وصنفت الحالات بانها معنفة بسبب الوضع الاقتصادي والتفكيك الاسرى وقلة الوازع الديني، مشيرة إلى أن تعنيف الزوجات يكون بسبب طريقة المعاشرة الجنسية غير الصحيحة والتربية الخاطئة فيرى الزوج كل شيء مباحا فيطلب المحرمات وان رفضت زوجته يضربها.
وأشارت سكيك إلى أن النزيلات المتزوجات يفاجئن عند تثقيفهن بان ما يفعلنه حرام، مبينة أن متوسط اعمار السيدات المعنفات الموجودات ما بين 30 حتى 40 سنة.
وبحسب متابعتها فإن غالبية المشاكل التي تقع الزوجات فيها سببها الزواج من امرأة ثانية التي تقع ضحية للمناكفات ، مشيرة إلى أنه في غالبية الحالات يعتبر الزوج زوجته خادمة يجب أن تنفذ اوامر الزوجة الاولى .
ومن بين الدلائل التي رصدتها عدسة "الرسالة نت" بأن الزوجة الثانية تتعرض للعنف ، شابة لم يتجاوز عمرها الثالثة والعشرين عاما تجوب شوارع أحد المناطق الجنوبية مكشوفة الرأس تركض حافية القدمين فيما تبدو كدمات على وجهها، فلم تتمالك نفسها حينما رأت سيارة الشرطة حتى أوقفتها.
اصطحبها مدير الدورية حتى أوصلها بيت زوجها لتستر نفسها وسماع شكواها ، اراد الزوج أن يبرر ما حدث لكن علامات الكذب بدت عليه ، فأصل المشكلة أن زوجته الاولى دفعته لضربها كونها لم تستجب لأوامرها.
ووفق افادتها للشرطة لم تكن المرة الأولى التي تتعرض فيها للضرب من قبل زوجها وضرتها ، فدوما توبخ وتتعرض للضرب المبرح منهما ، حتى اضطرت الشرطة لمساعدتها للعودة لبيت والدها.
وعادت سكيك لتصف حال السيدات عند حضورهن لبيت الامان بالخوف وكأنهن في سجن لكن بعد توضيح الأمر من الاخصائية الاجتماعية يندمجن في البرامج التوعوية ، بالإضافة إلى أن السيدة تحضر وفي جسدها كدمات وحروق حيث يتم معالجتها.
وقالت:" حينما تأتي الحالة يتم تبليغ ذويها بوجودها في البيت ، ونطلب منهم الحضور لمعرفة مواقفهم ومن ثم نعمل على حل المشكلة ونطالب بحقوق المرأة إن كانت مظلومة من خلال جلسات الارشاد الاسري لإصلاح المشكلات".
يذكر أنه بعد حل مشاكل السيدات المعنفات تتابع الاخصائيات داخل بيت الامان حالتهن بعد الخروج لمدة ست شهور ، فمنهن من تعود والخيبة على محياها إما لعودة ممارسة العنف عليها او لعنادها.
وإلى حكاية أخرى ضحيتها سيدة أربعينية مغتربة عاشت برفقة زوجها في السعودية عملت معه حتى ادخرا مبلغا كبيرا من المال مكنهما من إرساله إلى ذويه في غزة لتشييد عمارة لهما ليسكنا بإحدى الشقق عند عودتهما وتأجير البقية.
عاد الزوج لوحده وأمهل زوجته قليلا من الوقت لاستدعائها كي يرتب أموره ، وعند عودتها بصحبة ثلاثة من الابناء لدخول الجامعات تفاجأت أن البناية مسجلة باسم زوجها بضغط من أخته الكبرى ، ولم يكتف بذلك فقد كان يضربها وينعتها بألفاظ جارحة ليرضي أمه وشقيقته التي لم تتزوج.
لم تحتمل ما يحدث معها فلجأت إلى بيت الأمان وتدخل لجان الاصلاح لحل قضيتها بعد حصولها على الطلاق ، وكتبت شقة باسمها تحتويها وأبنائها.
دائرة العنف
ونظرا لحساسية القضية تخشى كثير من السيدات المعنفات التردد على مراكز حقوقية أو طرق أبواب ذويهن مما يدفعهن للاتصال عبر الخط الساخن لمركز غزة للصحة النفسية ، فبمجرد أن تطرق الحالة الرقم "1800222333" ترد عليها الاخصائية النفسية زهية القرة وتستمع لشكواها وتعمل على مساعدتها حتى حل أزمتها.
داخل العيادة النفسية استقبلت القرة "الرسالة نت" للحديث عن الاسباب التي تدفع الرجل لتعنيف المرأة وكذلك التساؤل حول إن كانت الفروق الاجتماعية والتعليمية تلعب دورا في زيادة العنف وذلك من خلال تواصلها مع الحالات المعنفة.
بعد طرح عدة تساؤلات عليها استأذنتنا لتجيب على الخط الساخن، على الخط الآخر كانت السيدة "ص" -33 عاما- تجهش بالبكاء وهي تروي مشكلتها -كما اعتادت- للاخصائية النفسية القرة لمساعدتها في حل مشكلتها المتكررة فزوجها اعتاد ضربها أمام ذويه ليرضي أمه دون ذنب تقترفه.
بعد سماع شكوى "ص" ومنحها جملة من النصائح ذكرت الاختصاصية النفسية بأن ما يدفع الرجل لتعنيف المرأة وجود ضعف في شخصيته ويحاول اثبات نفسه ضد الطرف الضعيف كون مفهوم الرجولة مختلط لديه.
"العنف الممارس ضد النساء قد يكون بطريقة غير مباشرة دون رضوض أو كدمات، الأمر الذي يدفع بعضهن لمحاولة الانتحار نتيجة الضغط عليهن
"
ولفتت إلى أن العنف أصبح اسلوبا مقبولا اجتماعيا وثقافيا بدلا من ثقافة الحوار ، مشيرة إلى أن الاستقواء على المرأة يأتي من النظرة الدونية لها فهي تحرم من التفكير واثبات ذاتها وعليها تنفيذ المهام التي يطلبها منها الرجل.
وعند التواصل مع الحالات ومن يعنفها وجها لوجه يحاول الرجل اعطاء مبررات لإهانته زوجته أو ابنته كوضعه الاقتصادي السيئ فهو يستخدمه وسيلة لتبرير فشله وفق قول القرة، موضحة أن الزوجة المعنفة حينما تذهب لذويها شاكية الحال تقول لها الام " عيشي ما صدقت أزوجك" وقد تلام الضحية كونها لم تنفذ أوامر زوجها.
وفيما يتعلق بأنواع العنف الذي تشتكي منه السيدات عبر الخط الساخن أفادت أن العنف اللفظي أكثر استخداما وقد يصحبه جسدي ومن ثم جنسي ، مشيرة إلى أن الأزواج يغصبون زوجاتهم على الجماع باعتباره حق.
وبحسب متابعتها فإنه لا فرق بين متعلم وجاهل أو فقير وغني في تعنيف النساء .
وعلى صعيد الأضرار النفسية الواقعة على المعنفات قالت القرة: "تدخل النساء دائرة العنف وتعنف من حولها ، بالإضافة إلى أنه يؤثر على ثقتها وتقديرها لنفسها "، متابعة : البيئة التي يوجد فيها عنف ولا يساند افرادها المرأة المضطهدة يدفعها بعض الاحيان إلى الاقدام على الانتحار للفت النظر حيث أن نسبة اجمالي الحالات التي تتابعها لا يفصحن عن أسمائهن خشية الفضيحة حسب وجهة نظرهن.
الهجر المبرر
داخل المحكمة الشرعية ملامح الوجوه متناقضة ففي ذلك الممر فتيات مرسوم على محياهن الفرحة تتبعها بزغاريد سيدة كبيرة فقد تم كتب الكتاب ، وفي الممر المقابل اخريات "عاقدات الجبين" ينتظرن دور الدخول على القاضي للبت في قضيتهن إما الطلاق أو حل المشكلة.
إحدى القضايا التي تمكنا الانصات إليها في ممر "عاقدات الجبين" تعود لشابة "م.ح" لم يمض على زواجها العام جاءت برفقة والدها وزوجها يرقبها من بعيد ، تحكي ما حدث معها بأنه بعد شهور عدة من زواجها بدأت تلحظ سهره حتى الفجر على الانترنت رغم محاولاتها المتكررة لاستدراجه ليكون معها .
تسللت في أحد الايام لمعرفة ما يفعله حتى فتحت صفحته الخاصة على الفيسبوك فتبين أنه يتحدث مع الفتيات بأمور خادشة للحياء ، ويشاهد أفلاما اباحية. لم تتمالك وقتئذ نفسها وواجهته فأنكر وأشبعها ضربا وحاول خنقها بعد تهديدها له بكشف أمره أمام ذويهما.
وبعد التحري عن طبيعة زوجها تبين أنه موظف سلطة مستنكف عن عمله، الامر الذي يثبت ما روته احدى الجهات الرسمية أن العديد من الحالات المعنفة بسبب الازواج المستنكفين عن عملهم خلال السنوات الثماني الماضية.
بعد الانصات للحالة السابقة توجهت "الرسالة نت" إلى مكتب عبد الخالق البحيصي مدير قسم الارشاد الاسري حيث حالات كثيرة تنتظر دورها في الخارج للبت في قضيتها وايجاد الحلول لها، الذي ذكر أن الزوجة إن أخطأت فعلى زوجها نصحها وإرشادها وإن لم تستجب فالهجر المبرر ثم الضرب بالسواك.
ومن خلال متابعته للحالات عبر دائرته أوضح البحيصي أن سبب العنف بين الزوجين الكراهية واستحالة الحياة بينهما مما يدفع الرجل لضرب زوجته كأسهل طريقة للتعامل معها ، بالإضافة إلى تدخلات الاهل والشذوذ الجنسي ، مبينا أن 10 % من نسبة اجمالي الدعاوى التي تصل للمحكمة الشرعية تكون من نساء معنفات معنويا كالهجر والتعنيف بالكلام الجارح.
وفي سؤال حول طبيعة وصول تلك القضايا الى المحكمة الشرعية يجيب: "لا تقدم الزوجة شكوى بتعرضها للعنف مباشرة بل تأتي للمطالبة بالنفقة وبعد السؤال عن السبب يتبين تعرضها للعنف بأشكاله"، متابعا: تلك القضايا تأتي للضغط على الزوج ليعي مكانتها في حياته.
وتابع البحيصي:" بمجرد وصول تلك الحالات تحول إلى قسم الارشاد الاسري لتقديم النصائح والحلول لإرضاء الطرفين واصلاحهما رغم صعوبة الوصول الى قواسم مشتركة بينها".
الصمت يكبلهن
ومن النتائج التي توصل إليها التحقيق الصحفي أنه لا يوحد فروق علمية (المستوى التعليمي) للمعتدين من الأزواج رغم أن الظاهرة تزيد في المجتمعات المحكومة بالعادات والتقاليد و "العيب"ـ
ويتضح أيضا قلة وعي النساء لحقوقهن سواء على مستوى الشرع او القانون ، والجهل بأنواع وأشكال العنف حيث تعتبر بعضهن أن العنف فقط هو ما يترك اثارا بالغة لكن واقعيا فهو يبدأ من الألفاظ النابية.
ومن خلال البحث تبين أن الوضع الاقتصادي في السنوات الأخيرة لعب دورا في زيادة العنف .
في النهاية وبعد البحث في خبايا العنف ضد النساء داخل قطاع غزة تبين أن غياب الاحصائيات الدقيقة يرجع إلى تستر المرأة المعنفة عن تفاصيل الانتهاكات التي تتعرض لها خشية وقوع الطلاق وحرمانها صغارها ، الصمت الذي يكبلها يدفع الرجل لممارسة عنفه ضدها دون توقف.