جاء مقترح التهدئة المصري أدنى كثيرًا من توقعات الفلسطينيين بتهدئة تحقق رفع الحصار عن قطاع غزة من خلال إيجاد منفذ بحري بل وجوي أيضًا بحسب ما كان متداولًا بين بعض الوسطاء الغربيين، وبدلاً من ذلك جاءت بنوده مساويةً بين الضحية والجلاد ومكبلةً لفصائل المقاومة، مما يعني أن حماس ومعها باقي فصائل المقاومة لن تستطيع الموافقة على اتفاق من هذا النوع لاسيما أن المواطنين الفلسطينيين وفي غزة تحديدا شركاء في القرار بعد هذا الحجم من التضحيات التي قدموها، ومن تجول على مواقع التواصل الاجتماعي مثلا يدرك إلى أين ترنو عيون الفلسطينيين الذين أنهكهم الحصار بإغلاق معبر رفح.
أما المصريون فكان واضحًا أنهم يحاولون الحفاظ على دور لهم ولو بالحد الأدنى تجاه قطاع غزة ، حتى ولو كان غير مناسب لحجم مصر التي جاء مقترحها هزيلًا منخفضًا بشكل حاد عن سقف التوقعات لما يمكن أن تقوم به دولة من المفترض بها –على الأقل- أن تكون طرفا محايدا.
بدأ (الاسرائيليون) عدوانهم وقد أعلنوا أنهم يهدفون إلى ضرب البنية التحتية لحركة حماس، وضرب قواعد الصواريخ (تحت الأرض) وغيرها من الأهداف العسكرية، ومن تطورات المعركة كان واضحا أن هذه الأهداف لم تتحقق فأعلنوا في الأيام التالية أنهم يريدون تثبيت قواعد التهدئة، ومع صمود المقاومة وتمكنها من تنفيذ ضربات نوعية في عمق دولة الاحتلال قالوا إنهم يسعون إلى تهدئة متبادلة (وقف نار مقابل وقف نار)، ثم تلاه حديثهم عن إمكانية القبول بالعودة إلى بنود (تهدئة 2012)، وأخيرًا نقلت مصادر (اسرائيلية) أن الكابينت الاسرائيلي (المجلس الوزاري المصغر) ناقش شروط حماس للتهدئة في إشارة إلى إمكانية قبول بعضها على الأقل.
في تلك الأثناء جرى الحديث عن عدة وساطات يمكن أن يكون لها دور فاعل في تحقيق التهدئة وكانت مرشحة لذلك تركيا وألمانيا وفرنسا وأخيرا مصر التي بادرت إلى طرح مقترحها للتهدئة الاثنين عبر وسائل الاعلام وجاء متأخرا كثيرا عما كان متوقعا أن يقبل به (الاسرائيليون) وبدلًا من أن يحقق بعض ما طالبت به المقاومة أو حتى العودة إلى (تهدئة 2010) فقد ساوى بين الطرفين في وقف ما أسماه العمليات العدائية ومال كثيرًا لصالح (إسرائيل) عندما طلب منها وقف تللك العمليات برا وبحرا وجوا بينما زاد على البند المتعلق بفصائل المقاومة بمطالبتها بوقف العمليات من تحت الأرض أيضا في إشارة لإلزامها بالتوقف عن حفر الأنفاق، وغيرها من البنود التي رأى فيها الفلسطينيون ومقاومتهم أنها غير عادلة.
وإذا كان مضمون التهدئة كذلك فإنها لم تناقش مع الأطراف بشكل متوازن أيضا فبينما يعتقد أنها تمت بموافقة (إسرائيلية) فإنه لم يجري عرضها على الطرف الآخر وهو فصائل المقاومة التي تقودها حركة حماس.
ويبدو أن السلطات المصرية لم ترد التواصل مع حركة حماس فالعلاقات مقطوعة تقريبا منذ الانقلاب الذي وقع في مصر قبل عام، وهنا يبدو أن ولوج القاهرة التي تتخذ موقفا معاديا من طرف رئيسي في معادلة الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي لاتخاذ دور في التوصل إلى تهدئة لم يكن منطقيا، فلم يقتصر الأمر على العلاقات المقطوعة بين الطرفين أو الأبواب التي أغلقتها القاهرة في وجه حماس بل إن بعض المعلومات تشير إلى أن القاهرة أعطت الضوء الأخضر لـ(إسرائيل) لبدء عدوانها على غزة، وهنا لا يبدو الأمر غريبا فالسلطات المصرية تحاكم الرئيس المسجون محمد مرسي بتهمة التخابر مع حركة حماس، وهنا من الواضح أن مصر بحاجة إلى اتفاق تهدئة مع حماس قبل أن تكون وسيطا بينها والاحتلال (الاسرائيلي).
ولم يقتصر الأمر على حالة العداء التي تكنّها مصر حاليا لحماس، ففي خلفيات الموضوع تشير بعض المصادر إلى أنه في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى التي استمرت طويلا كانت السلطات المصرية غير معنية أو على الأقل عير مهتمة بتحقيق مطالب حركة حماس بل وكانت وسيطا سيئا، حتى أن (الاسرائيليين) أنفسهم الذين رغبوا في إتمام الصفقة عبروا عن شكواهم من بطء التعاطي المصري الذي على ما يبدو لم يكن يرغب في أن تحقق حماس إنجازا ما على الأرض.
وبينما كان (الإسرائيليون) يرغبون في الاستجابة لمطالب حماس في سبيل الافراج عن الجندي جلعاد شاليط حاولت السلطات المصرية الضغط على حركة حماس ودفعها للقبول بمستويات أدنى من المتوقع أن يستجيب لها (الاسرائيليون).
وعمليا جرت صفقة التبادل عندما طلب (الاسرائيليون) أن تكون المفاوضات شبه مباشرة وأصبح ضباط المخابرات المصرية يعملون فقط (كمراسلين) بين الغرف في الفندق يوصلون الرسائل بين القائد الشهيد أحمد الجعبري ومسئول ملف المفاوضات (الاسرائيلي) ديفيد ميدان، وسبقتها القناة السرية بين غازي حمد وكيل وزارة الخارجية الفلسطينية، والصحفي (الإسرائيلي) غرشون باسكين، وهي قناة موازية للمفاوضات الرسمية بوساطة مصرية، أقرب اتصال مباشر بين الطرفين.