من يبلغ "فاطمة الرومي" استشهاد أسرتها؟

شهداء قصف العدوان  على رفح
شهداء قصف العدوان على رفح

الرسالة نت–محمود فودة

تركت الأم فاطمة الرومي (48عاما) أبنائها على سفرة الطعام، وراحت تنشر الغسيل برفقة ابنتها بجوار منزلهم مع انتصاف شمس الظهيرة، التي كسر حدتها غبار القصف الإسرائيلي المتتالي على مدينة رفح، جنوب قطاع غزة.

وعلى حين غِرّة، باغت صاروخ من طائرة حربية إسرائيلية الأسرة الآمنة في بيتها، لتجد الأم نفسها ملقاة على بعد 50 مترا من المنزل، مصابة بجروح متوسطة، نُقلت على إثرها إلى المستشفى، دون علم بما حل بباقي عائلتها تحت ركام المنزل المدمّر.

على سرير المستشفى ترقد أم محمد، تنتظر في كل لحظة دخول أبنائها برفقة زوجها ليطمئنوا عليها، لكن هم لن يأتوا ويقبِّلوا يديها المصابتين بجروح، لا لأنهم يجهلون طريق المستشفى، أو عاجزون عن الحركة، إنما لأنهم ارتقوا جميعا شهداء.

لم تستطع "الرسالة نت" بالتأكيد الحديث مع الأم القلقة على أبنائها، المشتاقة لرؤيتهم والاطمئنان عليهم، ولا مع أفراد أسرتها التي لم يتبق منها أحد نتحدث معه، فما كان لنا إلا الحديث مع أحد المقربين من العائلة؛ ليعرّفنا على فصول الجريمة.

"ذهبنا مسرعين إلى بيت أبو محمد الرومي بعد قصفه، وبدأنا ننبش تحت الركام عن العائلة، وجدنا جميع أفرادها شهداء بجوار بعضهم"، هكذا روى محمد زياد لـ "الرسالة نت" حكاية قتل عائلة الرومي في منطقة الحشاشين شمالي غرب رفح.

هذه الجريمة هي جزءٌ من المجزرة الإسرائيلية التي ارتكبت في محافظة رفح، منذ صبيحة يوم الجمعة الأول من أغسطس ولمدة خمسة أيام، حيث غدّر الاحتلال بسكانها، عبّر قصف المدينة برًا وجوًا وبحرًا؛ مما أدرى إلى ارتقاء أكثر من 200 شهيد و1200 إصابة.

يقول محمد: "بدأنا بنقل أشلاء الشهداء تباعًا إلى المستشفى الكويتي، حيث بالكاد استطعنا إخراجها من تحت الركام".

ومع كل إشراقة صباح تتساءل المكلومة فاطمة: أين أبو محمد؟ أين محمد؟ أين عبد الله؟ أين أمين؟ أين صمود؟، هي أسئلة تبدو سهلة، لكن لن يكون بمقدور أحد الإجابة عليها، بسبب الألم الذي يختفي بين جنباتها.

وجد المنقذون الابن الأكبر "محمد" على قيد الحياة، فنقلوه مباشرة إلى المستشفى. ربما يكون بمقدوره إبلاغ أمه، رحيل العائلة. لكن، لخطورة جراحه، تم نقله بشكل عاجل إلى إحدى المستشفيات المصرية؛ من أجل تلقي العلاج اللازم، على أمل أن يعود ليضمد جراح أمه، التي لم تشعر بها بعد.

وبعد مرور عشرة أيام على تواجد محمد في الأراضي المصرية للعلاج، عاد إلى غزة، عاد شهيدا.

ارتقى محمد متأثرا بجراحه، واكتملت برحيله فصول الجريمة، ولا بصيص أمل في دعم أمه فاطمة في محنتها. وترك أيضا خطيبته تتجرع ألم الفراق.

خلف كل فرد من العائلة ارتقى شهيدا، قصة تملأ تفاصيلها الألم، والأمل أيضا. فالطفلة "صمود" هي أصغر أفراد العائلة، ولدت خلال العدوان الإسرائيلي عام 2008، واستشهدت مع إخوتها ووالدها، لتولد في حرب وترحل في أخرى.

زادت حيرة العائلة بعد استشهاد الابن الأكبر، وبقي السؤال قائما دون إجابة: من سيبلغ الأم استشهاد جميع أفراد أسرتها، من؟

البث المباشر