قبل تسعة أشهر حينما علم الشاب محمد درويش أن زوجه ايناس حامل، قرر أن يطلق على ما في بطنها اسم "سلمى" إذا كانت أنثى، فطيلة شهور الحمل كانت صغيراته ينادين شقيقتهن (الجنين) بذلك الاسم.
خلال الايام الاخيرة من حمل الزوجة جاءها المخاض، فصحب محمد زوجه إلى مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، وبينما تجرى الفحوصات قصفت المدفعية (الإسرائيلية) المستشفى، مما أدى إلى إصابة زوجة درويش بصدمة عصبية جعلتها عاجزة عن النطق.
جاء قرار بتحويل الأم إلى مستشفى دار الشفاء وسط غزة، لتضع مولودتها هناك، فقد تعطل العمل في "شهداء الأقصى" بعد قصفها.
في لحظات حميمة اقترب الزوج من زوجه ليطمئن عليها ودار حديث بينها. هو: "قررتُ تسميتها جزائر". هي قابلت الأمر باستغراب شديد، فأكمل قائلًا: "أقل واجب يمكن تقديمه للجزائر التي رفعت سعر البنزين على المصريين كوسيلة للسماح لهم بدخول غزة وتقديم المساعدات لأهلها".
ودوما يستغل الغزيون المناسبات –بحلوها ومرّها- ويطلقونها على مواليدهم، فكثيرًا من تيمّن بأسماء "حرب، انتصار، قسام، غزة، تركيا، غزة تنتصر".
وهنا يقول درويش لـ "الرسالة نت": "لم أسمِّ ابنتي جزائر مجاملة أو للفت الانظار(..) كنت مقتنعا جدا بالاسم وجعلته وسام فخر لابنتي الصغيرة حينما تكبر".
اليوم تبلغ "جزائر" من العمر أسبوعا، لكنها لم تسمع صوت والدتها منذ ميلادها، رغم محاولات الاطباء والاخصائيين النفسيين معالجتها.
ودرويش واحد من آلاف الغزيين الذين نزحوا من بيتوهم قسرًا، بعد تعرضها للقصف الإسرائيلي المباشر، فقد أصيب منزله بأضرار جسيمة بفعل القذائف والصواريخ.
وخلال تواجد زوج درويش في المستشفى يحضر صغيرتيه للاطمئنان على والدتهن ورؤية اختهن الجديدة، فطيلة الحديث كانتا "غزل وبتول" تقبلان ضيفتهن "جزائر". واقتربت إحداهن وهمست لوالدها: "بابا خليها (جزائر) بالمستشفى عشان ما يجي عليها الصاروخ".
ورغم محاولات الأب للتخفيف عن صغيرتيه إلا أنه يخشى فقدانهن بفعل الصواريخ الإسرائيلية التي استهدفت الأطفال والنساء والمسنين بالدرجة الأولى خلال الحرب على غزة.
درويش الذي أحب وطنه والجزائر دعا المواطنين في غزة إلى تسمية أبنائهم بأسماء دول وشخصيات دعمت غزة خلال الحرب.
يذكر أن عدد الشهداء من الاطفال في هذه الحرب وصل إلى 469، بينما عدد الجرحى 3084، في المقابل وصل عدد المواليد منذ الحرب إلى أكثر من أربعة الاف طفل وطفلة.