ركض مسرعًا اتجاه بيته بعدما وَرَدَه اتصالا أن طائرة بدون طيار قصفت منزله، وصل إلى المكان ليخرج أفراد أسرته، فإذا بصاروخ من طائرة F16 يسبقه إلى بيته، فيدمّره على رؤوس ساكنيه، فلم يستقبل الأب سوى طفلته الصغيرة صاحبة السبعة أعوام مدرجةً بدمائها، هي حكاية المواطن الغزي خالد أحمد.
"الرسالة نت" زارت بيت العائلة فوجدته حبيبات حصى تجمعت فوق بعضها، دافنة تحتها ذكريات تركتها الأسرة، فأجرينا اللقاء مع من تبقى منهم على قيد الحياة –وهو يتلقى العلاج داخل مستشفى الأقصى وسط قطاع غزة-، لينقل لنا الألم الذي لحق بأهله.
"سمعت أن طائرة بدون طيار إسرائيلية قصفت منزل جيراننا المكون من 4 طوابق، تمهيدًا لتدميره بصاروخ F16، فاتصلت على زوجتي نسرين ليطمئن قلبي، فأخبرتني أن الجميع بخير، وأن الاستهداف بعيد عنهم"، يقول رب الأسرة.
لم تكن تعلم نسرين أن الصاروخ استهدف منزلهم، لأن أنباءً وصلتها أن الاحتلال يريد أن يقصف بيت جيرانهم، فلملمت طفليها (الحسين، ومنى 7 سنوات –وهما توأم-) واحتضنتهما وهربت بهما إلى غرفة من الباطون داخل المنزل، لتتحصن من أي خطر قد يصيبهم حال تجدد القصف.
يضيف رب الأسرة الذي يعمل سائقًا وكان يبعد عن بيته قرابة الـ 1 كم، " اتصل الجيران وأخبروني أن القصف كان على منزلي".
أوقف خالد سيارته بشكل مفاجئ بعد اتصال الجيران، وأدار مقود السيارة مسرعًا نحو بيته، وفي غمرة الخوف والقلق اللذان تملكانه، رفع سماعة هاتفه طالبًا من زوجته مغادرة البيت قبل تجدد القصف عليه.
كان صاروخ الـF16 أسرع وصولًا لبيت خالد، قبل أن تغادره عائلته، فيضيف رب الأسرة " وصلت للمنزل أصرخ من بعيد مناديًا أخرجوا.. أخرجوا.. استقبلتني طفلتي مُنى على باب البيت احتضنتها، ثم سألتها عن أمها وشقيقها".
صاروخ الاحتلال كان أسرع بالإجابة من الطفلة مُنى، فسقط على بيته وغيّر معالم المربع بأكمله وحوّله إلى دمار، فأصبحت المنازل ركامًا فوق رؤوس ساكنيها.
" بقيت لدقائق تحت الركام بعد قصف الصاروخ، وعجزت عن الحديث أو التنفس، ولم أرَ إلا اللون الأسود، فالرماد كان بعيوننا، وبحضني ابنتي الصغيرة". يضيف خالد قائلًا " كنت أسمع أصوات الجيران وهم يصرخون، حتى قدِمَ نفرٌ منهم إلى مكان وجودي، وأزالوا الركام عني وأسعفوني، وآخرون أخرجوا زوجتي وطفلي وهما جثث ممزقة".
جسد خالد أصبح قريبًا من ابنه أثناء محاولة الجيران إسعاف الاثنين، إلا أن رب الأسرة بقي على قيد الحياة، وخطف صاروخ الاحتلال روح صغيره البكر الحسين وأمه نسرين.
وللطفل حكاية يروي تفاصيلها والده فيقول :"تزوجت عام 1994، وواجهت العديد من المشاكل في الإنجاب، ولم أستطع زراعة جنين في رحم زوجتي بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، حتى بداية انتفاضة الأقصى عام 2001، استدنت من أقربائي واتفقت أنا وزوجتي على أن تزرع علّ الله يرزقنا بطفلٍ، لكن المحاولة الأولى باءت بالفشل".
ويضيف "حاولت العلاج ولكن لا فائدة في ذلك، حتى استطعت توفير ثمن عملية زراعة جديدة عام 2006، وكان الأمل يحيط بي أن الله سيرزقني بطفل يروي ظمأي".
الأمل كان رفيق خالد في انجاب طفلٍ يحمل اسمه، فلم يرد الله دعواته، ورزقه بتوأم، ولد أسماه الحسين، وبنت أسماها مُنى.
لم تفارق الدموع عيون ربِ الأسرة طيلة سرده لإنجابه، التي أصرّ على الحديث عنها، ثم مسح دموعه وقال " ربنا أعطى الأمانة وأخذها.. وحسبنا الله ونعم الوكيل".