مقال: نجاح تل أبيب في إقناع واشنطن حول جدية تهديدها ضد طهران

د.عدنان أبو عامر   

في خطاب ألقاه وزير الحرب إيهود باراك في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تطرّق بتوسع إلى القضية الإيرانية، ونشاطها من أجل الحصول على قدرة نووية والتداعيات الناجمة عن ذلك على سياسة الدول الكبرى وإسرائيل حيالها.

وعلى الرغم من بعض الغموض الذي اكتنف جزءا من تصريحاته، إلا أن الخطاب تضمن مواقف جلية تنطوي على اهتمام كبير، وهي تعطي تعبيراً عن تقدير الموقف السائد في إسرائيل، حول أهداف النشاط النووي الإيراني، للفجوات بين إسرائيل والإدارة الأمريكية وما يعنيه ذلك من منظور دولة إسرائيل.

ومما ورد في كلمة "باراك":

- إيران لا تشكل تحديا وتهديدا لإسرائيل فقط وإنما للنظام الدولي بأسره، ويصعب تصور نظام دولي مستقر مع إيران نووية، إيران تحاول أن تضلل وأن تخدع وأن تردع.

- هدف إيران لا يقتصر فقط على بناء جهاز نووي خام على غرار مشروع مانهاتن، لكن هدفها هو القفز إلى الجيل أو الجيل والنصف القادم، رؤوس متفجرة نووية يمكن تركيبها على صواريخ أرض-أرض وعلى مديات لا تغطي إسرائيل فقط، وإنما أيضا موسكو وباريس.

- إيران نووية سيؤدي إلى القضاء على إطار المبادئ المطلوبة لمنع انتشار السلاح النووي، السعودية وربما دول أخرى أو دولتين في المنطقة ستشعر أنّها ملزمة في الحصول على قدرة نووية، وتبعاً لذلك يمكن أن يدفع ذلك بحكام ديكتاتوريين من الدرجة الثالثة بالعمل على هذه الشاكلة.

- النموذج الذي تقدمه إيران أمام أنظار العالم هو نموذج باكستان وليس شمال إفريقيا، معنى هذا التمييز هو بالتأكيد أنّ الأمر يتعلّق بطموح إيراني بالحصول على قدرة نووية صلبة تستند إلى حجم كبير من الرؤوس النووية وقدرة على إطلاقها إلى مديات بعيدة، وليس أجهزة إطلاق متفرقة بغرض الاستعراض.

- هذه الظروف تلزمنا بتبني سياسة واضحة حيال إيران قبل أن تنجح في تحقيق طموحاتها في المجال النووي، هذه السياسة كما حددها (باراك) يجب أن تكون مكثفة وصلبة وشاملة.

- هناك عمل حقيقي باتجاه فرض عقوبات على إيران لكنه ليس من الواضح حتى الآن مدى درجة خطورة هذه العقوبات وشدّتها، باراك يتحدث عن ملامح هذه العقوبات: يجب أن تكون موجهة، مؤذية، معطلة ومُشلة، بالطبع نحن نفضل خيار العقوبات الأكثر تشددا.

- نحن لا نتنكر للمسؤولية الملقاة على عاتقنا ولن نلج دائرة الوهم الذاتي، لا يمكن أن نسمح لأنفسنا أن نغمض أعيننا إزاء ما يحدث نصب أعيننا، لذا نوصي بعدم إلغاء أي خيار على الطاولة وأقصد بالطبع الخيار العسكري.

* معنى تصريحات باراك

من خلال قراءة تصريحات باراك بطريقة بسيطة وما بين السطور يمكن أن نتبيّن وجود فجوة في رؤية النشاط النووي الإيراني – دلالاته وخطورته-.

الباحثان الإسرائيليان الأبرز في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي "زاكي شالوم ويوناتان شختر"، عملا على تحليل تصريحات باراك، حول أن إسرائيل لا تستطيع أن تتعايش مع إيران نووية، على الرغم من تصريحاتها حول هذه المسألة.

لكن بالمقابل، إسرائيل لا تستطيع أن تسلّم بذلك، في مثل هذه الظروف يتعين على إسرائيل أن تهتم أولا بمصالح وجودها، ومع ذلك يجب أن تضع في الحسبان أنها لا تستطيع تنسيق أية خطوة من خطواتها مع الإدارة الأمريكية.

نستطيع الافتراض بأنّ أمورا مماثلة وربما أكثر وضوحا نقلت إلى كبار المسؤولين في الإدارة من قبل باراك وشخصيات إسرائيلية كبيرة أخرى.

النتيجة التي تبدو للعيان أنّ إسرائيل نجحت في إقناع الإدارة أن تهديدها بالقيام بعمل أحادي ضد إيران هو تهديد موثوق، وإذا ما صحّ هذا التقدير فإن الأمر يتعلق هنا بإنجاز إستراتيجي إسرائيلي رائع، ونستشف من ذلك وبكل تأكيد نتيجتين إستراتيجيتين هامتين.

ويخلص الباحثان إلى أن الإدارة الأمريكية تقدّر أنّ لدى إسرائيل:

- قدرة عسكرية كافية لخلق تهديد حقيقي ضد المشروع النووي الإيراني.

- إصرار على تنفيذ هذا الخيار، معنى ذلك أن تهديدات إسرائيل بمهاجمة إيران لا تعكس تكتيكا فقط أو ما يشبه "أمسكوا بي" بهدف فرض خطوات على الإدارة الأمريكية تجاه إيران، وإنما يجب التعامل مع التهديدات الإسرائيلية بدرجة كبيرة من الموثوقية.

هذا التقدير هو الذي يوضح سلسلة الزيارات لشخصيات مرموقة للغاية في الإدارة الأمريكية لإسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية حيث زار إسرائيل في شهر أيار 2009 ومرة أخرى في شهر كانون الثاني 2010، ثم رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي وصل إسرائيل ثلاث مرات منذ أن تولى منصبه.

وفي الفترة الأخيرة زارها في شهر آذار وفي ذروة الهجوم البري الواسع للجيش الأمريكي في أفغانستان مستشار (أوباما) لشؤون الأمن القومي (جيمس جونز) حيث زارها في شهر تموز 2009 وكانون الثاني 2010، ورئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور (جون كيري) الذي زار البلاد في شهر شباط 2010.

لقد تحدث باراك بصراحة عن نية الإدارة الأمريكية في منع هجوم إسرائيلي على إيران ولنفس الغرض وصل إلى إسرائيل نائب الرئيس الأمريكي (جو بايدن) بداية شهر آذار 2010.

خلال اللقاءات مع هذه الشخصيات في إسرائيل، استكملت بعدة لقاءات مع شخصيات عليا إسرائيلية بمن فيهم رئيس الأركان (غابي أشكنازي) في الولايات المتحدة.

ومع ذلك هذا الإنجاز الإستراتيجي الإسرائيلي خلق التزاما كبيرا فيما يتعلق بالعمل العسكري ضد إيران وإذا ما اتضح أن الجهود لوقف النشاط النووي الإيراني قد أخفقت، فسيكون من الصعب على إسرائيل الامتناع عن القيام بعملية عسكرية.

التهديدات الإسرائيلية قربتها جدّا من نقطة اللاعودة فيما يتعلق بالقيام بعمل عسكري ضد إيران، وفي غياب ظروف غير مناسبة فإن إحجام إسرائيل عن تنفيذ تهديداتها ضد إيران قد يضر إلى حدّ كبير بموثوقيتها وبقدرتها الرادعة.

 

البث المباشر