قائد الطوفان قائد الطوفان

" معتز" يُزف عريسًا بعدما زَفّ عائلته إلى الجنة !

معتز ضهير
معتز ضهير

الرسالة نت – محمود فودة

بدا مبتسمًا أخاه "عزت" وهو يربط له ربطة العنق، فيما كانت أمه تطلق العنان للسانها بين الفينة والأخرى تُسمع زغرودتها من جاء ليفرح، ثم استقبله أبناء أخوته يرشون الورد ومائه على الأرض حين خرج مرتديًا بدلة زفافه.

كل ذلك.. لحظات مرت في حلم قصير تمناه معتز في زفافه اليوم, إلا أنه للأسف سيبقى حلمًا, بعد أن قتلت "إسرائيل" في العدوان الأخير, أمه إضافةً لمعظم أفراد عائلته بصاروخ باغتهم في ليلة عيد الفطر الحزين على  غزة .

وحيدًا وقف معتز ضهير وسط أصحابه في حفل زفافه, ينظر في وجوه الحاضرين, محدثًا نفسه: "آهٍ لو أن والدتي ترقب من شباك المنزل حفلتي, وآهٍ لو أن شقيقي عزت يقف بجواري أو أبناء أخوتي يصفقون في فرحي"، ليتمتم بـ "حسبي الله على اليهود".

معتز بفرحته أثبت ما قيل بأن شعبنا لا يقهر. مراسل "الرسالة نت" شارك في حفل زفاف معتز الذي صنع ابتسامة أخفى دمعات ألمٍ من الصعب إخفاؤها.

حديثنا لم يطل مع العريس معتز حتى لا نعيد به الذاكرة للحظات الفراق, الذي قال: "إسرائيل أرادت بقتلها أفراد أسرتي أن تنهي عائلتنا من الوجود, وتحديًا لها اليوم أجدد نسل العائلة بزواجي".

أم العريس اختارت لابنها زوجةٍ تكمل الحياة معه, لتراه سعيدًا في لحظات عمره, فيما تنتظر بلهفة رؤية أبنائه, ولكن للأسف .. لن ترى سعادة ابنها ولا وجوه أحفادها فصواريخ الاحتلال مزقت جسدها الهزيل.

وعن تلك الليلة السوداء التي أنهت حياة العائلة, تحدثنا لأحد أفراد العائلة الذي يسكن بجوار المنزل المستهدف, ليحكي لنا ما جرى مع العائلة .

في ساعات الفجر الأولى من اليوم الثاني لعيد الفطر, حاولت العائلة أن تأخذ قسطا من النوم, بعد هدوء القصف الإسرائيلي على مدينة رفح جنوب القطاع, إلا أن القسط طال!

" يا عزت.. اشردوا , اليهود بدهم يقصفوا الدار" هي عبارات الإنذار التي  حاول أحد الجيران أن يسمعها لأفراد العائلة بعد اتصال تلقاه من مخابرات الاحتلال, إلا أنهم تنبهوا لها متأخرًا .

حاول كل واحد من إخوة معتز أن يلملم أطفاله من فراشهم, بينما تعكزت أمه العجوز على درجات السلم علّها تنجو برفقة أبنائها, إلا أن الموت كان أسرع من خطواتهم بكثير.

ما هي إلا لحظات.. حتى تحول المنزل المكون من 3 طوابق إلى كومة ركام على رؤوس عائلة معتز, لتلفظ الأم أنفاسها الأخيرة على باب المنزل, فيما تناثرت أشلاء الأطفال في أنحاء المكان .

بزغت شمس النهار على رائحة الموت المنبعثة من منزل عائلة ضهير, التي استمر البحث فيها عن أشلاء سكانه يومين, ماتوا بضربة واحدة, وسمعوا أصوات أنفاسهم الأخيرة سويًا, إلا أنهم دفنوا في مواكب تترا.

وللناجين حكاية أخرى .. فمحمدٌ تمنت عليه أمه ألا يخرج ليؤذن لصلاة الفجر إلا أنه أصر رغم التحليق المكثف للطائرات الحربية بدون طيار في سماء المنطقة.

" ليتني لم أذهب, وبقيت مع أمي وعائلتي, فنظرات عيون أمي الأخيرة قبل خروجي من البيت لا تفارقني على مدار اللحظة"، بها بدأ محمد وأنهى حديثه لـ"الرسالة نت", إذ لم يستطع إكمال لحظات جريه اتجاه منزلهم المستهدف .

عدُنا للعريس معتز, الذي افتقد حضور أمه أكثر من مرة: "أمي حضرت حفل خطبتي قبل الحرب, وكان نفسي تكون جنبي في العرس, واسمع زغرودتها"، ليتحشرج صوته بقول: "الله يرحمك يمّا, حاضرة بروحك بينا يا نوراتنا".

"حصورلك ألبوم صور فخم في عرسك يا معتز" وعدٌ قطعه شقيقه الصحفي عزت على نفسه خلال الحرب, إلا أن الموت بدّل الأدوار, إذ صور معتز أخيه الصحفي في عرس استشهاده.

اعتدنا في الأفراح أن يعم شغب الأطفال بين الحضور, إلا أن طفلة صغيرة بدت في حال مغايرة, إذ جلست على كرسي على طرف الحفل وكأنها تشكو من مرض أو كسر .

عرّفنا عليها أحدهم بأنها ممن نجوا من صواريخ الاحتلال في المنزل, اقتربنا منها علّنا نستمع لعبارات فرحها بزواج عمها, إلا انها فاجأتنا بقولها: "كان نفسي تكون أمي معنا, عشان تلبسني البدلة لعرس عمو, بس ماما في الجنة".

اليوم يُزف معتز لعروسه, بعد أن ودّع قبل بضعة أسابيع 19 فردًا من عائلته, ليُعلن رسالة واضحة بثها في نهاية حديث "الرسالة نت" معه بقوله: "سنتزوج وسننجب ونربي أبناءنا على حب فلسطين, والدفاع عنها بكل ما يملكون, خاب ظن الاحتلال أن يكسرنا في حربه الأخيرة".

في كل يوم تثبت غزة أنها تتعالى على الجراح, وتصنع الفرح كما تصنع النصر بدماء أبنائها, لتصخب في وجه المحتل أن أغرب عن هذه البلد, فعزائم رجالنا أقوى من جبروتك المتهالك !

البث المباشر