مزارعون لا يأكلون مما يزرعون والمستهلك الضحية

الأسمدة الكيماوية تجتاح الأراضي الزراعية

مزارعون: الزراعة العضوية لا توفر كيس الدقيق لأبنائنا

"الزراعة": آمنة وإنتاجيتها أعلى من التقليدية

غزة- فادي الحسني "الرسالة نت"

يمسك المزارع أنور القاضي بثمرة الفلفل الناضجة مقلبا إياها بين يديه، متباه بناتج محصوله الوفير هذا العام، مرجعا الفضل في ذلك إلى الله عز وجل، ثم لاستخدامه سمادا عضويا خاليا من الكيماويات.

واستغنى المزارع القاضي منذ وقت عن الأسمدة الكيماوية في زراعته كـ(لامكور، وتمك، وكلفادور)، ولجأ للأسمدة العضوية كـ(الكمبوست) كحل أمثل لضمان منتج زراعي خال من الملوثات.

وينظر القاضي بفخر لثمر الفلفل "حلو المذاق" داخل الدفيئات الزراعية التي أنشأها منذ نحو ثمانية أشهر، ويقول :"إن السماد العضوي أسهم في إنتاج محصول طبيعي غير ملوث بالكيماويات".

وعمد الكثير من المزارعين إلى تسميد مزارعهم بالأسمدة الكيماوية، التي تمنحهم منتجا أوفر وأسرع، كما قالوا، إلا أن لجوء مزارعين آخرين إلى السماد العضوي أو ما يسمى "الكمبوست" في زراعتهم، اسقط فرضية مزارعي السماد الكيماوي، الذي أكد أخصائيون أنه مضر بصحة الإنسان.

وهنا تطرح "الرسالة" سؤالين مهمين: لماذا لم يتعاط مزارعو غزة مع فكرة الزراعة العضوية بالشكل الأمثل؟ وعلى عاتق من تقع مسؤولية تسمم المواطنين المستهلكين للمزروعات الكيماوية؟. 

الإرشاد والتوجيه

وشرعت وزارة الزراعة في قطاع غزة، قبل عدة أشهر، بدعم المزارعين الراغبين في استخدام الزراعة العضوية، عبر الإرشاد والتوجيه المستمر ودعمهم ببعض النباتات الطبية والعطرية و"الكمبوست" مجانا.

وحظيت فكرة الزراعة العضوية –كغذاء صحي آمن- بإعجاب بعض المزارعين، فيما عارضها آخرون وأبقوا على المحاصيل التقليدية القائمة على الأسمدة الكيماوية واستخدام المبيدات.

وتفاعل المزارع عيسى الدحدوح مع فكرة الزراعة العضوية، حيث قام في سبتمبر الماضي بزراعة دونم من الطماطم معتمدا على السماد العضوي، مؤكدا نجاح محصوله الخالي من السموم.

وقال الدحدوح وهو ممثل عن مزارعي مدينة غزة: "ندفع الآن المزارعين لاعتماد الزراعة العضوية الصحية الخالية من الأسمدة الكيماوية"، موجها لوما للهجات المسؤولة بعدم مراقبة كميات الأسمدة الكيماوية التي يضعها المزارعون التقليديون، والتي سبب "تسميما للمواطنين" وفق قوله.

وتبدو مزرعة الدحدوح، المزرعة العضوية الوحيدة وسط عشرات المزارع المحيطة التي يعتمد أصحابها على الزراعة التقليدية، ويعلل ذلك بعدم وجود التوعية الكافية للمزارعين وللمواطنين أيضا بأهمية الزراعة العضوية الآمنة.

ووجه المزارع اللوم لوسائل الإعلام أيضا، متهما إياها بالتقصير تجاه توعية المزارع بمخاطر الزراعة التقليدية وإبراز منافع العضوية الخالية من المواد الكيماوية المضرة بالإنسان.

آمنة

والمنتجات العضوية، هي منتجات غذائية (نباتية وحيوانية) تنتج بطريقة آمنة لصحة وسلامة الإنسان والبيئة، حيث تخضع لمجموعة من القوانين ولنظام متابعة ومراقبة بما يضمن عدم استخدام أي مواد كيماوية ضارة سواء كانت أسمدة أو مبيدات أو هرمونات أو مواد حافظة.

وبحسب مدير الإدارة العامة للإرشاد في وزارة الزراعة محمود البنا، فإن هذا النظام يعتمد على إنتاج الغذاء بالطرق العضوية مثل استخدام الأسمدة العضوية ووسائل المكافحة الطبيعية و الإنتاج العضوي للحصول على منتج غذائي آمن للمستهلك، مؤكدا أن هذا النظام  يأخذ في الحسبان المحافظة على صحة المستهلك، وصحة العاملين، و سلامة و جودة المنتج والمحافظة علي البيئة والموارد الطبيعية.

وعلى الرغم من اعتماد بعض المزارعين أسلوب الزراعة العضوية، لكنهم اشتكوا من قلة العائد المادي الذي يحققه هذا النوع من الزراعة، مقارنة بالتقليدية التي كانوا يعتمدونها سابقا.

وقال المزارع الدحدوح :"الزراعة العضوية لا تحقق مكسبا ماديا عاليا، مقارنة بالزراعة التقليدية لكن القضية فقط مجرد قناعة شخصية بأننا نزرع نباتات خالية من السموم وبالتالي نكون مطمئنين على صحتنا وعلى صحة المستهلكين أيضا". 

ويوافقه الرأي المزارع أبو حسام من مدينة غزة، حيث يرى هو الآخر أن العائد المادي الناتج عن الزراعة العضوية غير مجد، إلا أنه يصر في الوقت نفسه على الاستمرار على هذا النهج من الزراعة لخلوها من الأمراض، كما قال.

وأضاف المزارع أبو حسام :"الزراعة التقليدية القائمة على الأسمدة الكيماوية هي تجارة في أرواح الناس(..) نحن بحاجة إلى أن نأكل المنتج بنفس طيبة".

وشدد المزارع على ضرورة وقوف وزارة الزراعة بجانب المزارعين "العضويين"، مطالبا بزيادة كمية الأسمدة العضوية المقدمة إليهم.

ورفض مزارعون فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم، تطبيق فكرة الزراعة العضوية، معللين ذلك بأن العضوية لن تحقق لهم دخلا وفيرا كتلك التي تحققها الزراعة التقليدية.

ويبدي أحد المزارعين التقليديين أسفه من المخاطر الناجمة عن الأسمدة الكيماوية التي يستخدمها في زراعته، لكنه يقول :"لو لم نزرع بهذه الطريقة فلن نستطيع أن نجلب الدقيق لأبنائنا" على حد تعبيره.

بيد أن وزارة الزراعة فندت هذه الأقوال ووصفتها بأنها "غير دقيقة"، وقال البنا: "الأصل أن الإنتاج العضوي أعلى من الإنتاج التقليدي".

وأضاف البنا "المنتج العضوي ينتج ما متوسطه 15 طنا، في حين أن التقليدي ينتج ما متوسطه 10 أطنان، فضلا عن توفير ثمن المواد الكيماوية، ومنح المزارع السماد العضوي مجانا"، مشددا على ضرورة أن يكون للمزارعين بعض المساهمة.

وتابع مدير الإدارة العامة للإرشاد في وزارة الزراعة، قوله:"نحن نشجع المزارع، ونوفر له الكثير، سواء السماد المجاني أو حتى حرث الأرض"، مؤكدا أن هناك متابعة دائمة ومستمرة من وزارته لهؤلاء المزارعين للإطلاع على مزارعهم.

حفاظ على الصحة

واكتشفت "الرسالة" أن بعض المزارعين التقليدين يرفضون أكل المنتج التقليدي الذي يزرعونه، وأنهم يخصصوا مساحات من أراضيهم للزراعة العضوية الخالية من الكيماويات حفاظا على صحتهم.

وسربت مصادر مطلعة لـ"الرسالة" معلومات عن شراء بعض المزارعين، الأسمدة الكيماوية التي يجري تهريبها عبر الأنفاق لقطاع غزة، وهي "مسرطنة ومحرمة دولياً"، ويجري تداولها بين المزارعين التقليديين الباحثين عن منتج وفير، على حد تعبير المصادر.

وزارة الزراعة بدورها أبدت أسفها من عدم وجود مختبرات لتحليل عينات من الإنتاج التقليدي، مع أنها أكدت أن لديها مراقبين ومرشدين يتابعون كميات السماد التي يستخدمها المزارعون.

وتوقع البنا بأن يكون احد المزارعين استغل فجوة عدم وجود مراقبين وقام بزيادة كمية السماد الكيماوي المستخدم، قائلا :"هذا الأمر غير مستبعد، لن المشكلة أنه ليس لدينا مختبرات لفحص العينات حتى يتم التأكد من سلامة الإنتاج".

وحول متابعتهم للأسمدة التي من الممكن أن تمرر عبر الأنفاق للمزارعين، قال:"إذا تيقنا أن هناك مواد ممنوعة تهرب عبر الأنفاق  سنبلغ وزارة الداخلية لإعدام هذه المواد، لكن نحن للأسف نفتقر للمراقبة الكاملة".

أما وزارة الصحة فنفت أن تكون لديها أية رقابة على المنتج الزراعي، على اعتبار أن رقابة  المنتج الزراعي تقع على عاتق وزارة الزراعة.

ويقول محمود حميد مسؤول مراقبة الأغذية في وزارة الصحة :"المراقبة مسؤولية وزارة الزراعة ولا ينافسها أحد في ذلك، وليس لنا إطلاع على الموضوع إطلاقا(..) علينا أن نستلم منتجا صحيا ومحترما من قبل وزارة الزراعة".

وأضاف حميد "من الناحية القانونية فإن متابعة المنتج من حرث الأرض وتسميد المحصول الزراعي والعناية به، هي مسؤولية وزارة الزراعة، وإن ثبت أن هناك أزمة تتدخل الصحة لتشارك الزراعة في الحل".

ونفى في الوقت نفسه أن يكون لديهم إحصاءات حول أية حالات مصابة بالتسمم نتيجة للأسمدة الكيماوية المستخدمة في الزراعة التقليدية.

ويقدر مزارعون عضويون نسبة معتمدي الزراعة العضوية في القطاع بـ1%، إلا أن وزارة الزراعة تنظر بإيجابية لهذه النسبة في الوقت الحالي، على أساس أن هذا العام هو العام الأول الذي يطبق فيه هذا النوع من الزراعة.

ويقول البنا :"بدأنا بزراعة خمسين دونما عضويا ولو وصلنا لنسبة 1% خلال الفترة الحالية فهذا مؤشر جيد، لأن هناك دولا كالأردن والمغرب بدأت تطبيقها منذ ثماني سنوات ولم تصل بعد لهذه النسبة".

واعترف البنا بأنه لو نظر للنسبة على أنها ضعيفة "فهذا يعود للثقافة المحدودة لدى المزارعين والمواطنين أيضا حول الزراعة العضوية"، مشيرا إلى أن "الأرض" بحاجة إلى عامين حتى تتحول إلى عضوية.."التحول ليس بالأمر السهل" كما قال.

الإفراط يؤثر

على نحو متصل بين زايد حمادة، مدير عام الوقاية في وزارة الزراعة، أن الإفراط في تناول المواد الأسمدة الكيماوية وخاصة "البوتاسيوم" ومشتقاته، يؤثر على صحة الإنسان.

وأشار حمادة إلى أن النبات بحاجة إلى ثلاثة عناصر هي :(النيتروجين، الفسفور، البوتاسيوم) وجميعها يعطي النبات عنصر وقاية.

وقال إن هذه العناصر الثلاثة التي يرمز لها بـ(N.B.K) متوفرة في السماد العضوي، وتغني عن استخدام الأسمدة الكيماوية"، مؤكدا أنه لو توفرت الأسمدة العضوية بالكميات المناسبة فإنها تسد عن الأسمدة المركبة.

وشدد حمادة على ضرورة الابتعاد عن الإفراط في استخدام المركبات الكيماوية والمبديات، لما لها من تأثير سلبي كبير على الإنسان، وقال "الاعتقاد السائد لدى المزارعين أن الإفراط في السماد الكيماوي يزيد الإنتاج، ولكنه حقيقة يزيد التسمم ويؤثر على خلايا الجسم".

كما شدد مدير عام الوقاية في وزارة الزراعة، على ضرورة جعل الزراعة العضوية نمطاً زراعياً وهوية للمنتجات الزراعية الفلسطينية وضرورة تعريف المستهلكين بمزايا منتجاتها.

ولعل هذا التحقيق يكون بمثابة طرقة على جدار الخزان، لعل الجميع يتكاتف، مسئولين ومواطنين ومزارعين أيضا، ليدفعوا باتجاه تغيير النمط الزراعي الخاطئ الذي لم يخلف سوى غذاء غير آمن لمواطن ما انفكت تفتك به آلة الحرب وتذيب عظامه وترهنه حقلا للتجارب.

 

البث المباشر