أدركوا في قيادة المنطقة الوسطى في الجيش و"الشاباك" يوم الخميس الماضي، أن جندياً إسرائيلياً فُقد في ظروف مريبة بالقرب من الخليل, بعد التأكد من أن هاتفه النقال غير محدَّد المكان, الأمر الذي أدى إلى تحرك قوات كبيرة من الجيش, وخلال دقائق أُنشئت في محطة الوقود التي عند مدخل مستوطنة "كريات أربع" غرفة عمليات ضخمة, مع خيام واسعة, وشاشات كبيرة وأجهزة موصولة بأنتينات وأطباق موجهة نحو السماء, وخلال أقل من ساعة, حصل قائد اللواء العقيد "يريف بن عزرا" وضباطه على أول صورة حية من الأقمار الصناعية، من مسافة مئات الكيلومترات, وظهرت قرى حلحول وبيت عانون وبني نعيم على الشاشات بدقة عالية وصورة واضحة, والتعقب الاستخباري –الذي تبين في النهاية بأنه لا حاجة له - بدأ.
كان الأمر واضحاً بالنسبة لبعض الجنود والضباط الذين حصلوا على الصورة الفضائية بشكل مباشر إلى غرفة العمليات القتالية, حيث أن قادة الكتائب من جولاني, الهندسة والمدرعات ممن شاركوا في البحث عن الجندي المفقود في منطقة الخليل، كانوا قد عاشوا هذه التجربة خلال الصيف الأخير في غزة, حيث حصلوا في حينه على اتصالات متقدمة عبر الأقمار الصناعية, والتي شكلت أساساً مركزياً في تعريف عملية "الجرف الصامد" بأنها "الحرب الشبكية الأولى".
يستتر من وراء "المحطات" (تجمعات الأقمار الصناعية المتنقلة التي بإمكان القوات حملها معها في الميدان) بنية تحتية ضخمة تبدأ بارتفاع 400-600 كم فوق الكرة الأرضية, في قمر صناعي يتجول في الفضاء ويلتقط الصور ويبثها إلى المحطة الأرضية، والتي يمكن أن تكون أيضاً هي تجمع الأنتينات الهوائية الضخمة في النقب الغربي، ومن هناك إلى من يهمهم الأمر في القيادة العليا للجيش المتواجدة في مقر وزارة "الدفاع" في "تل أبيب", ولغاية قائد الكتيبة الذي في غزة أو قائد السرية في الكوماندوز البحري "شايتت 13" الذي يكون في عملية سرية بعيداً عن حدود "إسرائيل", مع العلم أنه في بعض هذه العمليات, تكون اتصالات الأقمار الصناعية هي الوحيدة الفعالة في ظل عدم وجود محطات إرسال أو أنتينات لإرسال واستقبال المعلومات.
يصبح الاعتماد على الاتصالات عبر الأقمار الصناعية أكثر أهمية خلال عمليات إحباط تهريب الوسائل القتالية, مثل "الكشف الكامل" عن الاستيلاء على سفينة الأسلحة (KLOS C), والتي كان رئيس هيئة الأركان يشاهد تفاصيل العملية في بث حي ومباشر من "تل أبيب" رغم أنها وقعت على مسافة 1500 كيلومتر من "إسرائيل", ولكن اتصالات الأقمار الصناعية مثلها مثل مشاهدة التلفاز, فهل يطرأ عليها أحياناً خللاً يشوه الصورة.
"لا يحصل هذا لدينا", يقول قائد كتيبة "أميريم" المقدم "عومر كوهين" من قسم التحكم ومعالجة البيانات, وكتيبته هذه التي تتبع هيئة الأركان العامة, مسؤولة عن تشغيل منشأة أطباق الأقمار الصناعية في منطقة النقب الغربي, ويضيف: "يوجد لدينا سلسلة من الدعم والإسناد لكل بث بالقمر الصناعي, وأنه في الوضع الطبيعي, يمكن أن يصل ذلك في كل عملية من 4-6 منظومات دعم منفصلة من المودم ولغاية البث, وهكذا لو تعطلت منظومة واحدة, فإنه خلال عُشرٍ من الثانية ينتقل البث إلى منظومة الدعم بشكل تلقائي, والمستخدِم النهائي لا يشعر بذلك نهائياً, على شاشته, وأننا نستطيع العمل في أي نقطة على وجه الكرة الأرضية بواسطة اتصالات الأقمار الصناعية, وإزاء قوات مثل الغواصات والسفن الحربية, فمثلاً, في البعثة الإغاثية الأخيرة التي أخرجها الجيش الإسرائيلي إلى الفلبين, لم تكن هناك وسائل اتصالات ولا كهرباء, حينها نجحنا في إنشاء محطة بث عبر الأقمار الصناعية, عملت لمدة ثلاثة أسابيع متواصلة بواسطة محطتي "خفير الفضاء".
تجدر الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي ضاعف خلال السنوات الأربع الماضية بأكثر من 100٪ من حجم أنشطته في مجال الأقمار الصناعية, ومن بين أمور أخرى, من خلال استئجار مناطق أنشطة باستخدام الأقمار الصناعية التجارية, ولكن مثل كل الأشياء الجيدة, أيضاً في اتصالات الأقمار الصناعية يوجد قيود, حيث أنها ليست جميعها مرتبطة بالجيش الإسرائيلي, بل ليس جميعها تعتمد على الميزانية.
هناك اثنين من التحديات الرئيسية التي تواجه مجال الأقمار الصناعية الأمنية تتعلق بنطاق التردد الذي يتم عبره نقل الصور الجوية أو المحادثة بين القوة في الميدان وبين القائد في مقره, ومقدار الترددات التي تكون مقيدة, ومن بين أسباب ذلك, تقسيم الاستخدام من قبل وزارة الاتصالات المحلية, ويقول المقدم "كوهين": "خلاصة القول, أن هذا مثل الأنبوب, ونحن من خلاله نستطيع طرح حلول مختلفة, حتى عندما تكون هناك عمليات كثيرة تتم في آن واحد, ولكن لأن الأمر مقيد فإننا نقوم بعمل أولويات".
يصف الرائد "ليؤور شريكي" وهو قائد سرية في كتيبة "أميريم" فيقول: "هذه قاعدة إستراتيجية لإسرائيل, حيث أنه أثناء الخروج في عملية تستند على اتصالات الأقمار الصناعية, فإن طواقمنا تجري تقديرات وضع فنية كثيرة, وتتأكد من عدم وجود أي خلل بسبب أهمية المنظومة, حيث أن كل أنتينا تنظر إلى قمر صناعي مختلف وتتحرك بما يتلاءم مع ذلك, وأنه بسبب القرب من قطاع غزة, فإنه يحتمل إصابة الأطباق التي ارتفاعها 13 متر أثناء النشاط، وحينها تقوم منظومة الدعم بالعمل تلقائياً من موقع آخر في الجنوب".
بعد أن قام قسم التحكم ومعالجة البيانات بمنح "نظرة" على منظومة القيادة والتحكم لكل قائد صغير في الميدان, فإن الهدف القادم هو الوصول إلى "قمر صناعي لكل قائد كتيبة".
وخلال عملية "الجرف الصامد" حظي بعض قادة الكتائب والألوية "بدلال" كان حتى وقت قريب حكراً على وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي أو قادة هيئة الأركان العامة كوسيلة قتالية ثابتة ومخصصة فقط.
أحد الأنظمة التي عملت في قلب قطاع غزة في الصيف الماضي هي منظومة "لينكس" وهي عبارة عن محطة كبيرة نسبياً محمولة على مركبة عسكرية مثل "هامر" أو مدرعة, وميزتها تتمثل في نطاق عريض يمكّن من نقل كتلة كبيرة من البيانات صوت وصورة، مع القدرة على العمل حيال عدد من الأقمار الصناعية من مسافة آلاف الكيلومترات, أما المحطة الشخصية للقوات البرية المناورة, فهي أخف بكثير ويحملها المقاتل على ظهره حيث تزن 13 كيلوجرام، ويستطيع أي جندي نشرها وتركيبها على الأرض خلال دقائق معدودة فقط.
متوسط تكلفة محطة الأقمار الصناعية قد تصل بمجملها إلى حوالي 100 ألف دولار, لكنها ستجعل القائد الميداني غير مرتبط بهيئة الأركان, حيث سيطلع على ما كانوا سيمدونه به من خلال المحطة التي معه.