عندما كانت طفلة لم تتجاوز السبعة أعوام كانت توزع خربشاتها على الجدران، ترسم الطيور، وتعرجات الخطوط، وكل ما يستهويها من الطبيعة، حتى كبرت إيمان الطيّب وأضحت في عقدها العشرين، وتطوّرت خربشاتها لتصبح "فن الرسم بالورق على لوحاتٍ خشبية وفق تصاميم هندسية".
داخل بيتها الذي تجده ملاذًا لخيالاتها، تجلس ايمان بجانب أسرتها المكونة من سبعة أفراد، ووالدها الطبيب، وأمّها المهندسة، إلّا أنّ أحدًا لم يعرف بموهبتها، حتى شاهدت والدتها دفتر رسوماتها قدرًا، ثم اصطحبته لرب الأسرة، ما أثار دهشته فأعطاها من التشجيع أثمر عن صقل موهبتها.
وعلى مكتبها تنسج ملامح قطةٍ سوداء اللون، من خلال ورقٍ.. عيناها على لوحتها، ولسانها يقول لـ"الرسالة": "أرسم خطوطًا بسيطة على الورق بقلم الفحم، وأكمل اللوحة حتى تصبح بصورةٍ أتخيلها فور بدء الرسم".
الرسم أصبح زادًا لإيمان، و "إن لم أرسم بأحد الأيام، أشعر بالاختناق، فمن خلاله أفرّغ الطاقة التي بداخلي، فهو صديقي الذي لا أستطيع مجافاته"، وفق قولها.
ترتسم ابتسامة على شفتيها، وهي تستحضر موقفًا كان له دور في إبراز موهبتها لطلبة مدرستها الإعدادية، حينما كان الجميع يكلّف برسم لوحةٍ للحصول على علاماتٍ مدرسية، إلّا أن معظم الطالبات من فصلها يلجأن لها، لرسم لوحاتٍ مختلفة عن سابقاتها، وبوقتٍ قياسي، وتعقب على ذلك بالقول: "منحتهم علامات.. ومنحوني الإبداع".
ورُغم ابداعها، إلّا أنّها لم تتلق أي دورةٍ في مجال الرسم، باستثناء بعض الدروس التي تلقتها من خلال مواقع الشبكة العنكبوتية، وقالت: "لا أرسم بحثًا عن الرزق، ولكن لأن شيئًا بداخلي يطلب ذلك، وأسعى لمعرفة عناصر اللوحة الصحيحة، واتقان الرسمة وفق قواعد أساسية".
ولكنّها دومًا تسأل المحيطين بها، لا سيما المصورين، لمعرفة أبعاد الصورة، وعناصرها، بالإضافة لمشاركتها بمعارض فنية توفر لها بيئة خصبة بالفنانين، فتتزود منهم، وتطوّر ذاتها.
وكان التطوّر متلاحقًا لدى إيمان، حيث برزت لديها موهبة الفن بالورق، فترسم على لوحتها صورة تجول في خاطرها، ثم تزيّنها بالورق الملوّن، وتثبّتها من خلال الصمغ، حتى تعطي شكلًا أقرب للواقع.
عادة ما يلجأ الفنانون لتزيين كروت الأفراح من خلال الرسم بالورق عليها، إلّا أنّ إيمان، حاولت الخروج عن المألوف قليلًا، تقول: "وجدت أنّ الورق الأصم نستطيع اعطاءه الروح ليتكلم من خلال تشكيلنا له.. فرسمت الورود والطيور والزهور وعبّرت عن فلسطين وتراثنا وصمودنا وأسرانا".
ثم وصلت إلى الرسومات الكاريكاتيرية من خلال الرسم بالورق، ما يعطيها حافزًا للإبداع أكثر، "وتجسيد الواقع بقليل من السخرية والتهكم".
تشير ايمان إلى أنّ مرحلة ما بعد الثانوية العامة قذفتها بين نارين، "تخصص الفنون والحرف، واللغة العربية"، إلّا أنّها استخارت ووجدت نفسها "مدرسة لغة عربية مستقبلًا".
وكلما انتهت إيمان من احدى رسوماتها التي قد تستغرق معها يومين، حتى تلاقي قبولًا وتشجيعًا من ذويها وأصدقائها على مواقع التواصل الاجتماعي، فتضع تصميمًا على تطوير نفسها، ورسمها، وعرضه على أهل الاختصاص، والاستفادة من نقدهم.
وعن فنّها تقول إنّه "يحتاج للدقة والصبر، وتعلم بعض الحركات الأساسية(...) وأكثر ما أعانيه أثناء عملي، هو لحظة طيّ الورق وتدويره ليأخذ شكلًا معينًا، ما يستهلك وقتًا وجهدًا لعدم وجود الورق المناسب في مكتبات غزة".
تستطرد: "بعض الأدوات الخاصة بفن الورق، خاصة (لفافة الورق) غير متوفرة، بسبب الحصار الخانق على القطاع، اضافة الى الانقطاع المستمر للكهرباء، مما يقلل عدد ساعات العمل والانجاز".
وأنهت إيمان حديثها لـ"الرسالة" بترديد بيت شعرٍ للمتنبي، بقولها "إذا غامرت في شرفٍ مرومِ، فلا تقنع بما دون النجوم"، مؤكدة أنّها تملك من العزيمة ما يؤهلها لتمثيل فلسطين يومًا في المحافل الدولية.