مضى شهر على انتفاضة القدس، تجلت في غمارها العديد من المسارات والمواقف السياسية والميدانية، اختلطت فيها كثير من الامور، بدأ مهمًا أن تشرح فيها حركة حماس التي تعد رأس حربة في مشروع المقاومة بفلسطين وجهة نظرها وحقيقة مجرياتها وآخر الأحداث فيها.
عضو المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية شرح في حوار خاص بـ"الرسالة نت"، المستجدات التي تتعلق برؤية حركته من الاحداث الراهنة والمسارات المتعلقة بالمصالحة والقضايا الداخلية، إضافة لتطورات العلاقة مع مصر.
لجان تنسيقية
وكشف الحية في بداية الحوار، عن وجود توافق بين أغلب الفصائل، حول تشكيل لجان ميدانية تنسيقية لادارة الفعاليات في الضفة المحتلة، نظرًا لاعتبارات تتعلق بطبيعة اختلاف المعطيات والظروف المحلية في كل منطقة بالضفة عن الأخرى.
وحذر من خطورة تقييد الانتفاضة باغراقها في اتون النقاش حول تشكيل القيادة السياسية أو الجدل في ما يسمى بعسكرة الانتفاضة من غيرها، مؤكدًا وجود دور للفصائل في ادارة الانتفاضة.
وقال الحيةإن هذا الدور لا ينبغي أن يكون مقيدًا لأدوار الشبان الذين شاركوا في اندلاع هذه الانتفاضة، مشددًا على أن الاتفاق هو أن يشكل المنتفضين لجان فيما بينهم بالمناطق التي يتسنى فيها ذلك، وتشارك الفصائل بما لديها من قدرة فيما يتعلق بالمظاهرات والاضرابات العامة.
ونوه بوجود اطار جامع للقوى الوطنية من قبل اندلاع الانتفاضة، ولذلك لا يوجد داعي للبحث عن اطار أو مسمى جديد، مشيرًا إلى أن الحركة لا تشجع القيام بذلك في المرحلة الراهنة، كي لا تضع قيودًا وتعقيدات في طريق الانتفاضة التي شقت شهرها الأول.
تهديدات كيري لا تخيفنا وقد تجاوزها شعبنا
وأوضح الحية أن القيادات الميدانية يدار لها ادارة المعركة بالوسائل التي تراه مناسبًا لها، ويصلح لها في كل منطقة، مطالبًا بضرورة أن تنخرط جميع القوى والفصائل في هذه الانتفاضة ودعمها بكل الوسائل والآليات المتاحة وعدم الانشغال في قضايا تم تجاوزها والاتفاق عليها بين الفصائل.
وأضاف " الانتفاضة لها ظروفها بكل منطقة، ومن يشارك فيها من حقه تشكيل لجان ميدانية فيها".
ونوه الحية إلى أن اغراق الساحة الفلسطينية في الحديث عن قيادات سياسية للانتفاضة في ظل الظروف الراهنة، "هي خطوة على تحجيم الانتفاضة وليست خطوة في طريقها تفعيلها وتعزيزها"، وفق رؤيته.
ونبه إلى أن الانتفاضة جاءت موجة طبيعية كرد فعل على جرائم الاحتلال وهي تعبر عن العلاقة الطبيعية بين الاحتلال والشعب الذي يواجهه، مؤكدًا أن الانتفاضة ستتواصل بكل وسائلها وأشكالها، مبينًا أن الانتفاضة اعادة البوصلة من جديد في ادارة العلاقة مع الاحتلال.
وتابع الحية، أن الانتفاضة هي رد على جرائم الاحتلال في القدس والمحاولات التي جرت لتقسيم الاقصى زمانيًا ومكانيًا، ولتؤكد بأن الشعب الفلسطيني قادر على انتزاع حقوقه بدمه ولحمه.
ورأى أن هذه الموجة الشعبية هي نتيجة لفشل عملية التسوية، التي اخفقت منذ بدايتها قبل ربع قرن؛ لأنها"تسير على غير العلاقة الطبيعية مع الاحتلال، ولم تحظى على اجماع وحضور شعبي ووطني، عدا عن استمرار التعنت الاسرائيلي ضد الفلسطينيين".
وأكدّ الحية ترحيب حركته بأي لقاء يجمع الفصائل على قاعدة تطوير الانتفاضة وليس تحجيمها، مشيرًا إلى أن الفصائل طرحت على الحركة مقترح لترتيب مؤتمر وطني فلسطيني، " وهو امر تتباحث فيه الفصائل ولم تصل لرؤية واضحة بشأنه".
اهداف الانتفاضة
وفي سياق متصل، شرح عضو المكتب السياسي لحماس رؤية حركته للاهداف العليا والمرحلية لهذه الانتفاضة، مؤكدًا أن عنوانها الاساسي هو طرد المحتل وتفكيك الاستيطان وعودة اللاجئين مع اقامة دولة فلسطينية على كامل تراب الشعب الفلسطيني.
ورفض الحية منطق محاكمة الانتفاضة في شهرها الأول أو حصد الانجازات بدون ثمن، مذكرّا إلى أن هذه الانتفاضة هي امتداد لتاريخ طويل من الثورات الفلسطينية التي خاضها الفلسطينيون منذ احتلتهم بريطانيا ومن ثم الاحتلال الاسرائيلي الى هذااليوم.
انعقاد الاطار القيادي خلف اظهرنا ونطالب باعادة تشكيل "الوطني"
وأكدّ أن الحركة تريد لهذه الانتفاضة أن تكون انطلاقة مشروع التحرير، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين قد تمكنوا من تحقيق بعض هذه الاهداف خلال المراحل السابقة كما حصل ابان الانتفاضة الثانية التي اجبرت الاحتلال الانسحاب من غزة.
أما الاهداف المرحلية، فلخصها الحية بـعناوين 3 أولها يبدأ في تفكيك الاستيطان وانهاء الاحتلال على كامل تراب الـ67م، مع وقف اجراءات الاحتلال في الجهة الشرقية لمدينة القدس تحديدًا ما يتعلق بوقف التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، مشددًا على أن هذه هي اهداف مرحلية على طريق تحقيق الاهداف الكبرى للشعب الفلسطيني.
وأكدّ أن الفصائل وفي مقدمتها حركته هي في قلب المشاركة بالانتفاضةمنذ اندلاع يومها الأول، إذ أن عناصر من حماس هم من شاركوا في تنفيذ عملية ايمتار التي حدثت في نابلس ومثلت شرارة الانتفاضة، عدا عن استشهاد عدد كبير من عناصر الحركة في هذه الانتفاضة.
وشدد الحية على ضرورة أن تشارك جميع الفصائل بدون استثناء في الانتفاضة والانخراط الكامل فيها، لتؤخذ أبعادًا أوسع وأكثر عمقًا، وبما يتسنى للانتفاضة أن يطول أمدها وتتنوع آلياتها بما تشمل كل وسائل المواجهة والمقاومة.
وفيما يتلعق بمبادرة وزير الخارجية الامريكي جون كيري حول الاحداث، فلفت الحية إلى أن المقاومة كانت تدرك من اللحظة الأولى لطبيعة النوايا والاجراءات التي سعت بها واشنطن واطراف اخرى رأت أن الانتفاضة قد تضر بمصالحها ومشاريعها؛ فعملوا لاحتواء الانفتاضة وتحجيمها وصولًا لانهاءها.
واعتبر القيادي بحماس مقترحات كيري تجاوزًا لكل القوانيين الدولية والحقوق الانسانية، مؤكدًا بأن كيري تجاوز في أفكاره حتى ما يريده الاحتلال وما طلبه منذ البداية, محذرًا من أن أي محاولة لاحتواء الانتفاضة أو اجهاضها هو أمر مرفوض ومشبوه وسيتجاوزها شعبنا.
المقاومة سترد على أي عدوان ضد غزة برد قاسي
وقال الحية إن مقترحات كيري تجاوزها الرصاص الاسرائيلي وعمليات الاعدام وتواصل تعنت الاحتلال، اضافة أن الشباب الثائر في الميادين قد تجاوزت هذه المساعي الظالمة.
ورأى أن رفض الشارع الفلسطيني لمقترحات كيري قدمت دفعة جديدة أمام الانتفاضة، مشددًا على أن ما هو مطلوب من الدول الاقليمية دعم الانتفاضة وتفعليها وليس تحجيمها ومحاصرتها.
تهديدات كيري
أمّا تهديدات كيري لحركة حماس باتخاذ عقوبات ضدها، فرأى الحية فيها محاولة لتخويف حماس من جهة، ورسالة تخويف لأطراف محلية واقليمية من حركة حماس، عدا عنها اقرارًا من كيري بأن حماس جزء اصيل ومكون رئيس في هذه الانتفاضة.
ووجد الحية في هذه التصريحات تهديد خفي من كيري بغية تخويف بعض الاطراف من التعامل مع حركة حماس، مشددًا على أن الحركة لا تخاف كيري ولا تخشى تهديداته.
ولفت إلى أن حركته منذ انطلاقتها كانت تعي حجم المخاطر والتحديات التي يمكن أن تواجهها على جميع الاصعدة بما في ذلك الصعيد الدولي، منتقدًا استمرار النفاق من بعض الاطراف الاوروبية التي لا تزال تؤيد الاحتلال ولا تريد انصاف القضية الفلسطينية.
وأضاف الحية أن هناك بعض الاطراف الاوروبية لم تكن منصفة لحماس ولا للقضية الفلسطينية، ولذلك لا يخيفنا أن تدرجنا على قوائم الارهاب مجددًا،مشددًا على مظلومية القضية الفلسطينية وظلم الاحتلال والموقف الدولي الذي ينحاز اليه ولا ينحاز للحقيقة.
حماس والسلطة
وفي غضون ذلك، تطرق الحية لطبيعة العلاقة بين حركته والسلطة برام الله، إذ أكد ضرورة أن تحتضن الاخيرة الانتفاضة وتمدها بكل أشكال الدعم، واضفاء الشرعية الكاملة عليها، محذرًا من خطورة عمليات الالتفات على الانفتاضة بغية العمل على اجهاضها من خلال انجرار السلطة وراء عمليات التخويف التي تمارس ضدها.
ودعا الحية الرئيس عباس لوقف الاعتقالات السياسية، وأن يوقف المفاوضات الذي جربها لأكثر من ربع قرن ولم تأت الا بالخسران والتنازلات المؤلمة ضد القضية الفلسطينية، مطالبًا الاجهزة الأمنية للسلطة بالانخراط بالانتفاضة ووقف التنسيق الأمني والكف عن ملاحقة الشبان ومواصلة الاعتقالات السياسية تحت ذرائع وحجج واهية.
وحذر السلطة من اللهث وراء المفاوضات أو محاولة استثمارها للانتفاضة كجزرة لاعادة هذه العملية مجددًا، مؤكدًا أن استمرار تجاهلهالهذه المطالب فإنها ستكون عرضة لمسائلة الشعب والتاريخ.
أما ما يتعلق بمسار تسليح الانتفاضة، فأكدّ الحيةأن خلاف السلطة على ذلك هي نتيجة لاتفاق اوسلوا الذي قيدت فيه انتفاضة الشعب، ونبذت فيه مقاومته واعتبرته ارهابًا، وجعلتها اجرامًا في وجه الاحتلال، مؤكدًا أن لا يمكن لأحد ان يقيد طبيعة الاشتباك بين الثوار المنتفضين والاحتلال في الميدان.
لا يوجد ترتيبات لفتح معبر رفح ونطالب مصر بفتحه
وحذر من أن هناك اطراف تريد الوصول الى مفهوم سلمية الانتفاضة على غرار نموذج مسيرات بلعين ونعلين التي يواجهها الاحتلال بالقمع والقتل دون وجود مقاومة، وهو امر لا تقبل به الفصائل، وفق تأكيده.
وجدد الحية دعوته للسلطة للانحرط في الانتفاضة كي تؤخذ مداها المطلوب، محذرا من ان النقاش في عسكرة الانتفاضة من دونها هو منزلق خطير لن تنخرط فيه المقاومة، مشددًا على أن كل الوسائل ينبغي أن تستخدم فيها.
وقال إن الاحتلال بدأ يعض اصابع الندم منذ اللحظة الأولى لاندلاع الانتفاضة، وأصبح يطالب بالانسحاب، معتقدًا أن استمرار الانتفاضة سيجبر الاحتلال على تقديم العروض والاطروحات السياسية التي ستدفعه للانسحاب، وهو امر يحتاج الى قليل من الصبر، وفق تقديره.
وأكدّ الحية أن الانتفاضة ستلقب الموازين، بما يجبر الاحتلال على تقديم رزمة من العروض التي يمكن النظر فيها، محذرًا من أن أي نقاش دون ذلك هو حرف لمسار الانتفاضة.
وعن الأسرى الذين تم اعتقالهم اثناء محاولتهم تنفيذ عمليات استشهادية، فأكدّ أن قضية التبادل مفتوح على كل المطالب، ويوم تتحقق أي صفقة فستطرح كل الاسماء على الجدول.
لكنه قال إن هؤلاء الابطال هم في قلب الاهتمام لأنهم رسموا من جديد طبيعة العلاقة مع الاحتلال.
العدوان على غزة
وعرج الحية على تهديدات الاحتلال بشن عدوان جديد في غزة، فقال إن المقاومة وتحديدًا حركة حماس قد تجاوزت هذه التهديدات، مشيرًا إلى أن كل منطقة تختار شكل انخراطها بالانتفاضة.
وقال إن رغب العدو بنقل المعركة لغزة فنحن جاهزون لصد العدوان بما يستحق وأقوى مما يتوقع، لأننا لا نخشى تهديداته، وسنكون جاهزون للرد بكل قوة.
وبشأن ما أثيرحول لقاءات المصالحة، فقال إنه لا صوت يعلوا فوق صوت الانتفاضة، ومن أراد المصالحة فعليه أن يتصالح معها، وعليه أن يقدم استحقاقات المصالحة حيث أن كل طرف يعرف ما عليه تنفيذه.
وأضاف الحية " كرة المصالحة في ملعب فتح ومنظمة التحرير، اما نحن فقد تصالحنا في الميدان من خلال الانتفاضة، وفيما يتعلق بالشق الاداري فعلى فتح أن تنفذ ما هو مطلوب منها قبل الحديث عن مصالحة سياسية".
ودعا الفصائل الى الاتفاق على برنامج سياسي يدعم الانتفاضة، كما وطالب الحكومة بتنفيذ استحقاقاتها كحكومة، مشيرًا إلى أن حركته لن تنزلق في أتون لقاءات وترتيبات جديدة، دون تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
وعن لقاء الاحمد بأبو مرزوق في بيروت، فأوضح الحية أن العنوان الاساسي تمركز في دعم الانتفاضة بشكل أساسي، وتخلله بعض "الدردشات" حول المشهد الفلسطيني.
وطالب الحية الفصائل بإعادة تشكيل مجلس وطني موحد، مشيرًا إلى أن اجتماع الاطار القيادي اصبح خلف ظهر الحركة.
وخاطب الفصائل بالقول" تعالوا لنرتب اليات تشكيل المجلس الوطني، ليكون ممثلا لجميع الفلسطينيين بمختلف مناطق تواجدهم، وبما يجعله قادرًا على افراد قيادة جديدة للشعب ، تضع المشروع الوطني على الطاولة وتبحث استراتيجية موحدة بالتزامن مع تصعيد الانتفاضة".
وأشار إلى ضرورة التوافق على برنامج وطني متكامل أو مرحلي في العمل السياسي ، وليس العمل على ترقيع الحالة الراهنة بما فيها من عوار.
معبررفح
وفيما يتعلق بالحديث عن ترتيبات جديدة لاعادة فتح معبر رفح، فأكدّ الحية أن حركته لم يعرض عليها شيء من هذا القبيل ولم تناقش بشأنه، مشددًا على رفض حركته لأي مقايضة في ملفات المصالحة خاصة بين ملفي الموظفين والمعابر.
ودعا الحية الحكومة لاستلام مهامها بالكامل، مشيرًا إلى أن الحلول الجزئية للمعبر لن تجدي ولن تنفع ولا يمكن أن تخوف الحركة أو تحرفها عن مطالبها.
وطالبها بانهاء ملف الموظفين كاستحقاق لاعلان مصداقيتها، مشيرًا إلى أنه لا يمكن التنازل عن ملف دون حل الآخر.
وقال إن ما يثار في الاعلام عن اليات جديدة هي محاولات لحرف اهتمامات الناس، وليس لها رصيد، مطالبًا القاهرة بفتح معبر رفح حيث أنه لا مبرر لاستمرار اغلاقه لهذه اللحظة، مؤكدًا جهوزية الحركة التعامل مع اي ترتيبات يتم التوافق بهامع الجانب المصري.
ونفى الحية وجود مباحثات مع القاهرة بشأن توقيف العمل في الخندق المائي بين القطاع والقاهرة، مشيرًا إلى أن الحركة بعثت برسائل لمصر كي توقفه والاخيرة لم تستجب ولا تزال مستمرة به.
ولكنه شدد على حرص حماس تجاه العلاقة مع مصر التي تعتبر عمقًا استراتيجيًا للقضية الفلسطينية، وفق تعبيره.
كماونفى اي مستجدات على صعيد قضية الشبان الاربعة المختطفين في الاراضي المصرية.
وأخيرًا اشاد الحية بفوز حزب العدالة والتنمية في تركيا، معتبرًا ذلك انتصارًا لارادة الشعوب، ودعا الى تبني هذه التجربة ورعايتها في مناطقنا العربية وعدم محاصرتها او فرض عقاب عليها كما جرى في الانتخابات الفلسطينية عام 2006م.
وأكدّ أن حركة حماس لديها الجهوزية الكاملة للمشاركة في الانتخابات منذ وقت بعيد، ولا يوجد ما يخيفها من ذلك.