قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: طاسة ضايعة

الكاتب الأستاذ وسام عفيفة مدير صحيفة الرسالة بغزة
الكاتب الأستاذ وسام عفيفة مدير صحيفة الرسالة بغزة

وسام عفيفة

حالة من الفوضى لم يسبق لها مثيل تعمُّ المنطقة، حيث المسلمون يقاتلون المسلمين، والمسيحيون يقاتلون المسيحيين، والمسيحون يقاتلون المسلمين، وحيثما يولي المرء وجهه هناك اقتتال وألم وخوف شديد لما يمكن ان يحدث بعد ذلك.

هذه الحالة ليست توصيفا لواقع المنطقة اليوم بل تجسيدا لواقعها في القرن الثالث عشر.. ورغم ذلك ما أشبه اليوم بالبارحة... فقد كانت حقبة تاريخية مفعمة بالصراعات الدينية، والنزاعات السياسية، والتدافع الشديد على السلطة، وكأنها نسخة كربونية عن القرن الواحد وعشرين حيث الزمان الذي نعيش.

أما المكان... ففي الغرب احتل الصليبيون القسطنطينية وعاثوا فيها فسادا وهم في طريقهم لاحتلال القدس، وفي الشرق انتشرت جيوش المغول بسرعة بقيادة القائد العسكري جنكيز خان.

وبين تلك الحقبة واليوم مشتركات أخريات، فقد شهد ثورات وانقلابات وحملات غزو خارجية، وتقسيمات جغرافية وأقيمت دويلات عائلية... منها: دولة بني زيان في الجزائر، ودولة بني حفص في تونس، ودولة بني هود في الأندلس، والمغول احتلوا بغداد.

في النسخة الحديثة لحاضر المنطقة، السنة يقاتلون السُّنة، والشيعة يقاتلون السُّنة، والإسرائيليون يقاتلون السُّنة والشيعة، والروس يتحالفون مع الشيعة ضد السُّنة، وبين السُّنة من يتحالف مع "إسرائيل" ضد الشيعة، والنزيف مستمر منذ سقطت بغداد على يد الأمريكان.

وفي صورة الألفية الثالثة سلسلة من التفجيرات سوف يسجلها تاريخ المنطقة عن صراعات وضحايا جدد للمحرقة ووقودها من: الأكراد والمسيحيين والآشوريين والتركمان والعلويين والشبك واليزيدية والأرمن والصابئة والغجر والشركس، ولا يزال التفريخ مستمرًا، والغزاة يتهيؤون لتقسيم سوريا والعراق، تقسيمات عائلية وطائفية ونفطية وحدودية، حتى بات الوطن يضيق بأهله، والاهل يضيقون بجيرانهم، والجيران لا يحتملون أبناءهم، اختلط الحابل بالنابل، والطاسة ضايعة.

حالة الأمة رثاها الشاعر مظفر النواب في أبياته فقال:

في الوطنِ العربيِّ ترى أنهارَ النّفطِ تسيلْ

لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ

والدّمُ أيضاً

مثلَ الأنهارِ تراهُ يسيلْ

لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ

والدّمعُ

وأشياءٌ أخرى

من كلِّ مكانٍ في الوطنِ العربيِّ تسيلْ

البث المباشر