قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: خجلا أيها المطبعون، تونس بريئة مما تدعون إليه و لن نطعن فلسطين

أنور غربي  مستشار الرئيس التونسي السابق للعلاقات الخارجية
أنور غربي مستشار الرئيس التونسي السابق للعلاقات الخارجية

​أنور الغربي

فاجأني العدد الهائل من الاتصالات والتخوفات الفلسطينية من امكانية تغير الموقف التونسي الشعبي والرسمي تجاه فلسطين والقدس . فقداتصل بي وزراء سابقون وخبراء ومختصون وصحافيون ورجال قانون وأناس من عامة الشعب والكل يتساءل ومحتار.

في الواقع، لما أعطيت تصريحا لوكالة قدس براس هذا الصباح حول تركيبة الحكومة المنتظرة ما كنت أعلم بحجم التخوفات من التطبيع من خلال إعادة منح الثقة لوزير الخارجية الحالي وما كنت مستحضرا  للخلط الواضح لدى الكثيرين بين عدم تجريم التطبيع في الدستور ومقتضيات القانون .

ومما زاد من حجم التخوفات، صورة لمطرب تونسي مع رجل أمن ومخابرات "اسرائيلي" تم الترويج لها اليوم  من طرف آلة الاعلام الاسرائيلية التي تستعمل هذه الأساليب لترسيخ التطبيع في أذهان الناس وكثر الحديث عن زيارات يظهر أن البعض أقدم عليها في غفلة من الشعب . 

ليدفن المطالبون بالتطبيع رؤوسهم في التراب وليتعظوا بأكثر من سبعمائة فنان بريطاني قطعوا العهد على أنفسهم على مقاطعة اسرائيل ثقافيا وأعلنوا سنة 2015 بأنهم لن يقبلوا أية دعوات توجه إليهم للقيام بأنشطتهم الثقافية والمهنية في "اسرائيل" كما لن يقبلوا بأية تمويلات تقدم من قبل مؤسسات مرتبطة بحكومتها.

وأما عن المشاركة في فعاليات ثقافية في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية والتي تسيطر عليها "اسرائيل" من خلال المعابر-جوا وبرا-  فهناك آليات مختلفة ومتنوعة لدعم صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه دون التورط في التطبيع المهين.

والبعض يشكك والبعض الآخر يطلق على شعبنا ومؤسساتنا أوصافا لا تليق وإني هنا أؤكد بأن المبادرات التي اتخذت كانت فردية ولا علاقة لدولة ما بعد الثورة بهاوالأكيد أن الشعب ينظر بازدراء شديد لكل مطبع. وأعلم أن البعض من المحامين يبحث الآن في أفضل الآليات لمقاضاة من تورطوا في التواصل مع الأجهزة "الإسرائيلية".

وهنا أذكر المشككين ببعض الحقائق -فشعبنا كان ومازال وسيبقى مدافعا عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولن يتوانى في دعم القدس والأسرى واللاجئين. وليس هناك خلاف بأن تونس وقفت دائما إلى جانب فلسطين وحقوق الشعب المشروعة وساند الشعب التونسي النضال الوطني الفلسطيني وشارك فيه بأشكال مختلفة. كما استقبلت تونس آلاف اللاجئين الذين خرجوا من لبنان اثر مجازر صبرا وشاتيلا وأكرمت وفادة من بقي على أراضيها وحتى بعد أوسلو كانت العودة اختيارية وبقي مكتب منظمة التحرير في تونس . ودفعت البلاد الثمن غاليا كالاعتداء على الأراضي التونسية في حمام الشط سنة 1986 أو الاغتيالات والتصفيات الجسدية لأبي جهاد في 1988 وأبي محمد في 1990. كما أن بلادنا تونس كانت وما زالت تعتبر نفسها جزءاً من القضية الفلسطينية، وتعتبرها قضية مركزية، تعملُ من أجلها، وتدعم وحدتها، وتمدها بكل ما تملك.

وبالإضافة إلى ذلك كانت بلادنا حاضنة لجامعة الدول العربية بعد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و"اسرائيل" وساند شعبنا رغم آلة القمع الانتفاضة الأولى والثانية وكانت الجامعة التونسية والمجتمع المدني موحدا تجاه قضية فلسطين. كما أن الدعم الشعبي والجمعياتي لم يتوقف طوال سنين. وشارك العديد من التونسيين في الخارج ومن خلال مؤسسات دولية مرموقة في التعريف بالقضية والثوابت الفلسطينية وكسب كثيرا من التعاطف الشعبي والرسمي خاصة في أمريكا اللاتينية والعديد من البلدان الآسياوية والأوروبية.

ومنذ 2011، زاد اهتمام التونسيين بالقضية القلسطينية باعتبارها كانت أحد مطالب ثورة الحرية والكرامة وتعددت المبادرات الشعبية والجمعياتية لدعم فلسطين لعل أهمها مؤتمر المسارات القانونية والسياسية الذي حضره في أكتوبر 2014 مئات الخبراء من 50 دولة عبر العالم وكذلك  المؤتمر الدولي لنصرة الأسرى وكان كل ذلك تحت رعاية رئاسة الجمهورية ورسميا زيارة الوفد الوزاري بقيادة وزير الخارجية الاسبق الى غزة المحاصرة اثناء الاعتداء "الإسرائيلي" عليها أوآخر 2012 وتبعتها زيارة وزير الصحة والتكفل بالعديد من الحالات الإنسانية وعلاجها . وأما على المستوى السياسي، فقد استقبلت تونس أغلب القيادات ومن كل التوجهات السياسية وحثت الجميع على المصالحة وتأكيد دعم تونس وتم تاجيل زيارة الرئيس المرزوقي الى غزة بداية  2013 بطلب من رئاسة منظمة التحرير لاعطاء مزيد من الوقت  في مسار المصالحة وتقوية الصف الفلسطيني الداخلي. وطالبت تونس في العديد من المناسبات برفع حصار غزة وبالحرية للأسرى ووقف الاستيطان. واليوم تبقى الأصوات التي عدلت بوصلتها على أوهام لا علاقة لها بالواقع نشازا وحتى في غياب ادراج تجريم التطبيع في الدستور، فان القوانين المنظمة بامكانها التصدي لأي محاولة من المارقين والخارجين على الإجماع الوطني. ويبقى دور المجتمع المدني الواعي أساسيا لبناء دولة القانون وحماية حقوق الناس وقضايا الأمة.

ولقد عملنا خلال فترة تولينا للحكم على دعم حقوق الشعب الفلسطيني وتعزيزها، والدفاع عنه في كافة المحافل الدولية، وكان موقفنا منذ البداية " نقرر ما يقرره الفلسطينيون، ونقبل ما يقبلونه" وكنا نقول لكم ولازلنا: إنكم أيها الفلسطينيون أصحابُ الأرضِ والحق، نبني عليكم آمالاً كبيرة، ونرى فيكم وفي مقاومتكم مجدَ هذه الأمة، والاحتلال "الإسرائيلي" إلى زوال، وقادته يجب أن يقدموا للمحاكمة والمساءلة عما اقترفوه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع  غزة  وبأننا نعمل مع كل أحرار العالم لنصرة القضية الفلسطينية، واستعادة كافة الحقوق المسلوبة، وصولاً إلى يوم النصر والتحرير فكيف نخذلكم ؟

 وكنا نطالبكم ولازلنا  بترسيخ ودعم وحدة الموقف الفلسطيني ودون أي تدخل في الشأن الداخلي أو التمشي أو تحديد الأولويات في الصراع مع بقاءالمقاومة بكل أشكالها العمود الفقري للقضية. فتونس ليست بلدا محايدا في الصراع - الشعب التونسي قالها ولازال يرددها نحن مع فلسطين ووحدة الأراضي الفلسطينية والموقف الفلسطيني الواحد ونقف ضد حصار غزة وضد من يحاصر غزة والبوصلة هي القدس ونبقى نرقب وندعم الموقف الفلسطيني الموجه الى القدس ودعم أهلها وصمودهم في وجه آلة الدمار "الإسرائيلية" ونقف ضد من يخذل القدس وفلسطين- وأذكّر بأننا طالبنا ومازلنا نطالب بأن يفعّل القانون الدولي، وأن تطبّق معاهدات جنيف وأن يحاسب القتلة والمعتدون والذين ارتكبوا المجازر وأن يحاكموا بموجب القانون الدولي.

ولدينا ملفات تحمل "اسرائيل" المسئولية الكاملة عن الجرائم التي ارتكبتها على الأراضي التونسية او في حق مصالح تونسية أو مواطنين تونسيين ووجب على المسؤولين الحاليين مواصلة الاجراءات والعمل على محاسبة "اسرائيل" على اعتداءاتها المتكررة على الأراضي التونسية وعن قتلها للمدنيين وتدمير الأحياء السكنية في حمام الشط وعن اغتيال عديد القادة والمسؤولين الفلسطينيين فوق الأراضي التونسية وعن اغتيال تونسيين في عدد من البلدان دون محاكمة وفي خروقات وانتهاكات صارخة للقوانين وعن تدمير المدرسة التونسية في غزة في 2012 وزرع العملاء والخونة في بلادنا والقائمة طويلة وما هو مطلوب هو مواصلة الإجراءات حتى نضمن عدم الإفلات من العقاب وعدم استباحة الأراضي والمصالح التونسية والتعويض للمتضررين بالتوازي مع دعم صمود الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وليس بخذلانه من خلال التطبيع.

البث المباشر