"من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها"، "من حق إسرائيل الدفاع عن مواطنيها الأبرياء"، "لإسرائيل الحق المطلق في استخدام القوة ضد من يهددها"؛ عبارات متعددة اللفظ تصب في معنى واحد هو أن الغرب مزدوج المعايير يرى "لإسرائيل" الحق المطلق في استخدام أي أسلوب سياسي اقتصادي عسكري ضد أي خطر يهددها.
كلمة "الدفاع" هي مجازية المعنى تحمل في طياتها الحق في استخدام الهجوم الوقائي أيضا ً؛ أي مهاجمة أي قوة يمكن أن تشكل خطر على "إسرائيل" في الوقت الحالي أو المستقبل، وهذا ما يأخذ بنا إلى تقييم تهديد "إسرائيل" للجزائر، على أنه تهديد وقائي يلمس الحيلولة دون تمكن الجزائر من امتلاك أي قوة قد تفوق قوة "إسرائيل".
انتهجت "إسرائيل" أسلوب الهجوم الوقائي في قصفها للمفاعل النووي العراقي المعروف باسم "مفاعل تموز" عام 1981، من خلال عملية عسكرية أطلقت عليها اسم "عملية الأوبرا"، وفي قصفها لمصنع "اليرموك" للذخائر في السودان، عام 2012.
هددت "إسرائيل" الشهر الماضي الجزائر بتصعيد الوتيرة ضدها وحتى الدخول في حرب مباشرة معها إن تواصلت في تصرفاتها العدائية ضد الكيان ومواطنيه. حسب موقع "مينا ديفنس"، فإن التهديدات تنبع من سعي الجزائر لاستيراد باخرتين عسكريتين من نوع أ 200 من ألمانيا، الأمر الذي أثار حفيظة "إسرائيل" ودفعها لإرسال شخصين للتجسس على مصنع السفن البحرية الألماني، وقد تم إلقاء القبض عليهما، كما دفع ذلك "إسرائيل" إلى صرف التهديد والوعيد ضد الجزائر.
تم تأسيس "إسرائيل" في إطار كيان غاصب شرد وقتل ودمر أرض الغير، وهذا يعني بأن بناء سياستها الداخلية والخارجية في إطار السياسة الواقعية المتكئة على تضخيم القوة الذاتية بشكل مباشر يعني أمرا طبيعيا جدا.
تشكل نظرية "تومس هوبز" التي تقضي بأن نفس أو روح الإنسان أنانية وسيئة وتسعى دوما ً للاستيلاء على حقوق الآخر، المحور الأساسي للنظرية الواقعية في العلاقات الدولية. من جانبه، لا يمكن لدولة مغتصبة ومستولية على حقوق الآخر، أن تنأى بنفسها عن الإيمان بهذه النظرية وتعظيم قوتها مقابل الآخرين الذين تروا بهم أناس سيئون سينقضون عليها أجلا ً أم عاجلا ً. في الحقيقة، نظرية هوبز حول أنانية روح الإنسان الذي يحرك الكيان السياسي للدولة ضد شعوب الدول الأخرى للاستيلاء على خيراتها، يتطابق بشكل تام على الكيان الصهيوني المغتصب الذي يُعد إيمانه بنظرية هوبز أمرا إلزاميا بالنسبة لها، لأنه يعلم بأن شعوب الدولة العربية ستنقض عليه في يوم من الأيام، ولكن بحسب رؤيتنا، الانتفاض ضد "إسرائيل" ليس لأن الشعوب العربية أنانية وسيئة بل لأنها أصحاب حق، فدافع الحق أقوى من دافع الأنانية، ويجب على "إسرائيل" أن تخاف من أي تحرك عربي متوقع، لأنه أجلا أم عاجلا سيظهر للسطح.
بالرغم من انتقاده اللاذع لسياساتها في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن "إسرائيل" لا تكتفي بالإيمان بمحور النظرية الواقعية الأساسي فقط، بل تتطبق نظرية العالم السياسي الواقعي "جون ميرشيمار" أيضا.
ذاع صيت ميرشيمار بعد طرحه لنظرية الواقعية الهجومية التي ترسم السياسات الواقعية للكثير من الدول التي تتبع نهج تضخيم القوة الهجومية وليس الدفاعية، مؤكّدة أن الكثير من الدول تحاول التفرد بالقوة الساحقة وتتجه للتصرف بعنجهية هجومية عسكرية وسياسية واقتصادية استباقية وقائية، لرفع مستوى مميزاتها العسكرية بشكل مستمر وبالتالي الحفاظ على وجودها مقابل الدول الأخرى.
يذكر ميرشيمار أن الولايات الأمريكية المتحدة وإسرائيل هما الدولتان اللتان تنطبقان عليهما النظرية. في إطار ذلك، احتذت "إسرائيل" هذا النهج في حرب 1967، حيث بدأت "إسرائيل" بقصف مواقع الجيش المصري في وقت مبكر وبشكل مفاجئ، وما زالت حتى يومنا هذا تعتمد على هذا النهج للحفاظ على هيمنتها في منطقة الشرق الأوسط.
في هذا السياق، توازن القوى من أهم الأسس الواقعية التي تستند إليه "إسرائيل" للحفاظ على وجودها. تنص نظرية توازن القوى بإيجاز على أن ثمة دولة تعمل على التحكم بالقوة السياسية والاقتصادية والعلمية والعسكرية في إقليم ما أو حول العالم، من خلال عدم إعطاء فرصة لأي دولة أخرى بامتلاك أي من القوة المذكورة، عبر محاربتها بطرق علنية أو خفية، للمحافظة على قوة كيانها مقابل الكيانات السياسية الأخرى.
في إطار تسليط الضوء على تعريف نظرية توازن القوى، يتضح أن "إسرائيل" ما تقوم به يتناسق تماما مع نظرية توازن القوى بالضبط، حيث ترى أن حيازة الدول الأخرى على قوة أكبر من قوتها، يعني بأن توازن القوى سيختل لصالح هذه الدول وبالتالي ستتعرض لمخاطر مستقبلية جسيمة. الخوف من هذه المخاطر التي تروض استقرارها الاستراتيجي بشكل دائم، يدفع "إسرائيل" إلى تهديد الجزائر وغيرها من الدول العربية الأخرى التي تسعى لإحراز أي تقدم سياسي أو اقتصادي أو علمي يفوق تقدمها.
أيضا يقول الإيطالي "نيكولو ميكافيلي" في كتابه "الأمير" إن "الدول يجب عليها أن تقوم باستخدام كافة الوسائل التي تحقق هدفها في ضمان وجودها القوي". بالرغم من أن بعض الخبراء في العلاقات الدولية أكّدوا على أن ميكافيلي، وإن ذكر بعض الوسائل الغير أخلاقية في كتابه، فإنه لم يقصد تعميم ذلك على كافة المسائل حول العالم، وإن هدفه كان فقط توجيه أمير فلورنسا "لورينزو الثاني دي ميديشي" لتثبيت دعائم حكمه وتوسيع نطاقه.
لكن على ما يبدو، فإن المدافعين عن ميكافيلي لم يفلحوا في ذلك كثيرا، إذ أصبح يُعرف بالشيطاني الذي يوجه الحكام وأصحاب السلطة إلى استخدام أقذر الوسائل لإدامة سلطتهم. وهنا طرأ على السطح ما يعرف ب"الأسلوب الميكافيلي" الذي ينص على أن "الغاية تُبرر الوسيلة".
غاية "إسرائيل" هي الحفاظ على وجودها المغتصب، وهو ما دفعها إلى استغلال كافة الوسائل القذرة، مثل؛ اغتيالات الساسة والعلماء، استهداف المدنيين، الحصار الاقتصادي وغيرها من الأعمال القذرة، لفرض سيطرتها الكاملة على شعوب المنطقة.
تهديد "إسرائيل" للجزائر باتخاذ كافة الإجراءات إن استدعت الحاجة، يعكس النهج الميكافيلي "لإسرائيل" التي ترى لنفسها الحق في استخدام جميع ما هو متاح.
بعيدا عن النظريات التي تترجم غطرسة الكيان الصهيوني علميا، نعلم جميعا بأن اليهود مغتصبون، والمغتصب دوما في رعب من استشراء قوة صاحب الحق المُغتَصب فلا غرابة في ذعره من الغواصتين اللتين يُقال بأن الجزائر ستحصل عليهما من ألمانيا.