"لا أريكم إلا ما أرى" تلك سياسة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التي يتعامل بها مع خصومه السياسيين حتى داخل حركة فتح نفسها، ضاربا بعرض الحائط كافة الأعراف والشرائع التنظيمية.
الاقصاء والتفرد والفصل سياسة انتهجها عباس على مدار اثنى عشر عاما عمل خلالها بكل ما لديه من قوة كي يفرض سيطرته على كل مفاصل القرار السياسي الفلسطيني ككل، وعلى صعيد حركته التي يرأسها على وجه الخصوص.
لم يكتفِ الرجل الذي تجاوز الثالثة وثمانين عاما من عمره بالتفرد والسيطرة داخل فتح "فقط" بل استمر في محاربة وابعاد المخالفين لآرائه بقرارات الفصل والطرد من الحركة، مجسدا بذلك العقلية الدكتاتورية وعقيدة الاقصاء.
استبق عباس عقد المؤتمر السابع لحركة فتح والمقرر عقده قبل نهاية العام الجاري وانعقاد المجلس الثوري للحركة الذي يبدأ أعماله مساء الليلة في مقر الرئاسة في رام الله، ووقع على قرار فصل أربعة قيادات من أعضاء المجلس الثوري لفتح، وهم توفيق أبو خوصة، ونجاة أبو بكر، وعدلي صادق، ونعيمة الشيخ، وذلك بتهمة "التجنح".
ويتخذ رئيس السلطة عباس من " تهمة التجنح " مبررا لقطع الطريق على جهود الرباعية العربية التي نصت أولى بنودها على ضرورة اتمام المصالحة الداخلية مع حركة فتح وترتيب الأوراق كانطلاقة لتسوية القضية الفلسطينية مع الاحتلال "الاسرائيلي".
وعلى صعيد آخر فإن الرجل الذي اشتعل رأسه شيبا أراد أن يقطع الطريق على أي حديث حول طرح قضية إعادة النائب المفصول من "فتح" محمد دحلان في المؤتمر السابع، محذرا بذلك المشاركين من عدم إبداء أي رأي مخالف لسياسته، وإلا سيلقون مصير من سبقهم.
تفرد بالقرار
وفي السياق، يرى عضو اللجنة المركزية في الجبهة الشعبية عبد العليم دعنا، أن عباس لا يزال ينتهج سياسة التفرد بالقرارات، ويتجاوز قرارات اللجنتين المركزية والتنفيذية.
ووصف دعنا في حديثه لـ"الرسالة نت" عباس بـ "الديكتاتوري والسلطوي" بمواقفه المتعلقة بالقضية الفلسطينية وقيادات حركة فتح، مشيرا إلى وجود عناصر متمردة في السلطة، لذلك يحاول عباس "استئصالهم من الحركة"، وفق قوله.
تصفية حسابات
وبالمجمل فإن قرارات عباس تعد استمرارا في ظاهرة تصفية الحسابات داخل فتح ورفض عملي للبند الاول من بنود خارطة الطريق التي قدمتها الرباعية العربية، وفق ما يعتقد الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل.
ويؤكد عوكل في حديثه لـ"الرسالة نت" أن عباس يتخذ من التجنح مبررا لإقصاء من يخالفه الرأي أو ينتقده واعتقال رياض الحسن المسؤول السابق للهيئة العامة بالإذاعة والتلفزيون الفلسطيني خير دليل.
وأوضح أن اعتقال وفصل قيادات فتحاوية هو شكل من أشكال قمع الحريات وتأكيدا على منهج التقيد الذي يتبعه عباس في التعامل مع من حوله عبر "استخدامه لملفاتهم التي يخفيها ويخرجها عند رفع أحدهم الصوت ضده".
ويستبعد عوكل أن تؤثر تلك السياسة على المشهد الفلسطيني عموما الذي يمر في ظروف صعبة وسيئة لم يشهد لها مثيل، على حد وصفه.
وفي هذه النقطة يتفق الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف مع سابقه عوكل، مشددا على أن حركة فتح ستشهد انقسام طولي في ظل قرارات عباس التي وفرت أرضية خصبة لبداية الانشقاق.
وبحسب الصواف فإن عباس أراد تصفية خصومه قبل الذهاب للمؤتمر السابع وعقد اجتماعات المجلس الثوري تجنبا لطرح أي قضية تتعلق بإعادة دحلان.
ولفت إلى أن قرارات رئيس السلطة عباس يرسخ عقيدة الإقصاء المتأصلة عقلية داخل عقليته التي لا تقبل الانتقاد أو المعارضة.
وأخيرا يمكن القول إن سياسة كسر العظام التي يتبعها عباس مع خصومه تأتي في ظل المحاولات العربية والاقليمية الضاغطة لإعادة دحلان للمشهد السياسي، وهو ما يدركه الأول الذي يعتبر أن تلك الجهود تعني انتهاء حقبته والتجهيز لخليفته.