على خطى الشهيد الرقيب أمجد السكري، مضى الضابط "المتمرد" الشهيد محمد تركمان، خطوته الأخيرة نحو حاجز مستوطنة بيت إيل شمال مدينة رام الله المحتلة، ليفرغ طلقاته اتجاه الجدار الأخير في منظومة التنسيق الأمني مع الاحتلال، ويثبت نظرية رفيق دربه" لا يزال في اجهزتنا الأمنية متمردا عاشقا لوطنه".
تدرج الشهيد تركمان في منظومة امن السلطة وأصبح ضابطًا فيها، وكان ذلك كافيا كما الشهيد الرقيب من قبل أن يتنعم بخيرات الامن وامتيازاته الخاصة على حساب قضيته التي حسرتها منظومة التنسيق الأمني، لكنه ركل بقدمه المشروع برمته وارتد الى طريق نزف فيه دم شهداء الأجهزة الأمنية من قبل أبو جندل وعبد المعطي السبعاوي ورائد الكرمي وقافلة طويلة من الشهداء.
ما أذاعته وسائل الإعلام عن ضابط فلسطيني "متمرد" أعاد توجيه بوصلة السلاح المنفلت ضد أبناء شعبه في مخيمات الضفة وشوارعها، خبر كاف كي يبث الفرحة في قلوب المنتفضين بالضفة والقدس، وكاف ايضًا كي يبيت كثيرون ليلتهم وقلوبهم تكتوي أسى وحسرة تجاه "الثورة" التي تغلي في شرايين امن السلطة.
كان الشهيد الرقيب السكري، أول شهيد في الأجهزة الأمنية يطلق رصاصه على حاجز التنسيق الأمني قبل عام عندما أقدم على عملية دعس قرب الحاجز الذي جمع بين الشهيدين، فغدا كلمة السر التي تجمع " ثوار " الأجهزة الأمنية.
على صعيد العقيدة الأمنية التي تلجم حراك افراد الامن في الضفة، يصنف شهداء الأجهزة الأمنية بأنهم "متمردون"، تستوجب افعالهم الاعتقال والمطاردة، على غرار ما فعلته أجهزة امن السلطة بحق الشرطي محمد ماهر حامد، الذي حكم عليه بعشر سنوات؛ لإطلاقه النار على قوة تابعة للجيش "الإسرائيلي" قبل شهر ونصف، فاعتقلته أجهزة السلطة، بالتنسيق مع الجهات الأمنية "الإسرائيلية".
ونقلت صحيفة معاريف وهي تزف البشرى لجمهورها الإسرائيلي، نقلا عن ضابط رفيع المستوي بأجهزة السلطة، "تمت محاكمة الشرطي من قبل محكمة عسكرية تابعة للسلطة، وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات".
كان يدرك محمد أن السجن لدى رفاقه في الأجهزة الأمنية سيكون مصيره لا محال، إذا ما فكرّ في العودة، فاختار الشهادة دفاعا عن مشروع بات غريبا لدى منظومة سياسية تبرأت من 3 عقود نضال نزفت فيها دماء المئات بل الالاف من الشهداء.
يذكر أن المسؤول الأمني الأول لأجهزة امن السلطة ماجد فرج، كان قد أعلن من قبل عن نجاح اجهزته الأمنية بإفشال 200 عملية فدائية، ووقوفها خلف اعتقال مئة فلسطيني حاولوا القيام بعمليات ضد الاحتلال، فيما تقول هآرتس إن هذه الاجهزة ارجعت حوالي 634 اسرائيليًا العام الماضي.
وتخشى السلطة من تكرار نموذج أبو جندل واللواء عبد المعطي السعدي، وغيرهم من نماذج الاجهزة الأمنية التي لعبت دورًا بارزًا خلال الانتفاضة الثانية، وكان له دورًا فاعلًا في تشكيل خلايا عسكرية أوعز بإنشائها أبو عمار آنذاك بعد وصوله الى قناعة بفشل مسار التسوية.
وقد عرضت السلطة امانًا شخصيًا لمعظم مطاردي كتائب شهداء الأقصى، في وقت تهدد فيه بقطع رواتب المئات من مسلحيها، حال خروجهم عن قرارات ابو مازن، وهو امر يقيدهم في غزة والضفة، بحسب ما قاله مصدر مطلع للرسالة.
وقد أكدّ ألوية ومختصون في الشأن الأمني، أن السلطة رغم نجاحها في تشويه الحالة الوطنية والأمنية بالضفة، الا انها من الناحية العملية يستحيل عليها أن تفرض قيدًا على جميع منتسبي الاجهزة، خاصة اولئك الذين خاضوا تجربة الكفاح المسلح مع قيادات أمنية وعسكرية.
وقد اعتبر اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي، أنه لا يمكن السيطرة على مشاعر ضابط وطني من الثأر لأبناء شعبه، مؤكداً أن هذه المشاعر يمكن أن تتولد لدى الكثيرين من الضباط والأفراد العاملين في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
ورأى الشرقاوي أن السلطة تعودت على التنسيق الأمني ولا يمكن لها أن تغادر هذا المربع، منبهاً إلى أن هناك مبالغة (إسرائيلية) في قدرة السلطة بالكشف عن هذا الحجم من العمليات.
ويرى الشرقاوي أن الماكنة (الإسرائيلية) لها دور في إثبات أن أجهزة السلطة تتعاون مع أجهزة الاحتلال في منع العمليات بالضفة، معرباً عن اعتقاده بأن هذا الترويج لا يصب في ميزان حسنات أجهزة السلطة بل بالعكس يزيد من تأليب الشارع عليها بسبب ممارساتها القمعية.
بينما قال أبو خالد مسؤول في كتائب شهداء الأقصى بغزة، إن العشرات من أبناء الاجهزة الأمنية لديهم الرغبة في الالتحاق بالعمل العسكري مجددًا، ومنهم من هو مطلوب لهذه اللحظة في عدد من مناطق الضفة، متوقعًا أن يكون هناك تغيرا جوهريًا لصالح تصعيد العمل العسكري، بسبب تراخي القبضة الأمنية لدى عباس.
وقال أبو خالد، إن ماجد فرج لا يملك فرض وصايا تنظيمية، ومن المتوقع ان تنفجر الاوضاع مستقبلا في ظل الحديث عن احتدام الصراع داخل البيت الفتحاوي.