قبل الحديث عن العام الجديد وما قد يحمله من متغيرات خاصة بالوضع الفلسطيني وتحديدا على مستقبل حركة حماس التي أنهت مع نهاية 2016 عامها التاسع والعشرين، لابد من نظرة سريعة على الفترة الماضية.
وربما يعتبر العام الأخير من الأعوام المهمة في تاريخ الحركة رغم أنه لم يحمل أي مستجدات أو تغييرات جذرية، لكن أهميته تنبع من كونه يتم عقد من الزمان على مرحلة مفصلية في تاريخ حماس وهي الفترة التي دخلت فيها معترك الحكم بعد فوزها في الانتخابات عام 2006، وانتقلت فيها نقلة نوعية في تاريخها ودفعت فيها أثمانًا باهظة لتمسكها بثوابتها.
وإذا كان هناك كلمة نلخص بها السنوات العشر الأخيرة في تاريخ حماس 2006/2016 فهي الجمود السياسي، فرغم أن العقد المنصرم حمل الكثير من الأحداث المهمة والمحطات المفصلية مثل الربيع العربي عام 2011، الحروب الثلاثة التي خاضتها الحركة في الاعوام "2008/2012/2014"، إلى جانب التطور العسكري والقوة التي امتلكتها الحركة والتي جعلتها رقما صعبا في المعادلة، إلا أن كل هذه المحطات لم تنجح في إذابة الجمود السياسي وبقي الوضع الفلسطيني يراوح مكانة من انقسام وحصار.
ومن هنا يتوقع أن يحمل عام 2017 متغيرات على أكثر من صعيد، إذا ما نظرنا إلى ما قدمته حماس ومن خلفها قطاع غزة خلال السنوات العشر الأخيرة، وما عانته من حصار وتضييق، وهو ما يفتح الباب أمام السؤال الأهم هل تنتهي سنوات الحصار ويبدأ موسم الحصاد؟
وربما يشهد العام الجديد تغييرات مهمة لكنها لا تنبع من تغيير سياسي ذاتي حمساوي بقدر ما ستحملها الأوضاع المحيطة بالحركة خاصة ان هناك جملة من الاستحقاقات من المتوقع ان تنجز خلال العام المقبل على عدة أصعدة وملفات متشابكة.
حماس وخلافة عباس
ويعتبر ملف خلافة رئيس السلطة محمود عباس من الاستحقاقات الملحة التي تشير كل التوقعات إلى أن العام القادم سيحسمها، خاصة مع تجاوز الرجل العقد الثامن.
ويمكن القول إن سنوات الجمود السابقة ارتبطت بشكل أساسي بوجود أبو مازن على رأس حركة فتح والسلطة معاً حيث حارب الرجل بضراوة كل محاولات فك الحصار عن غزة وحركة حماس، كما كان شريكًا أساسيًا مع حلفائه الإسرائيليين والعرب في المنطقة بإغلاق كل أبواب بوجهها، لذا فإن التغيير المرتقب بغض النظر عن الرئيس القادم قد يحمل سياسة جديدة من السلطة اتجاه حركة حماس.
وبغض النظر عن شخص الرئيس القادم فانه سيسعى الى انجاز الملفات التي فشل بها عباس وعلى رأسها المصالحة مع حماس بعد عشر سنوات من الانقسام، كما سيحاول اظهار نفسه كرئيس للكل الفلسطيني.
كما ان الرئيس القادم سيكون مهتم جداً بالتصالح مع حماس استعداداً لأي عملية تسوية قد يطرحها المجتمع الدولي، وبغض النظر عن موقف حماس من مبادرات السلام التي تطرح الا ان هذا التغيير سيفتح الأفق أمامها للعمل السياسي ويرفع إلى حد كبير القيود المفروضة عليها.
ما بين فتحين
2016 شهد في أواخره المؤتمر السابع لحركة فتح، هذا المؤتمر الذي خرجت منه فتح بمخرجات سيكون لها تداعيات خطيرة على الحركة والتي ستتأثر بها الساحة الفلسطينية وخاصة حركة حماس، فالحركة شُقت إلى نصفين مع اقصاء تيار النائب محمد دحلان بالكامل.
وتشهد حالياً الحركة أكبر حالة انشقاق في تاريخها، فباتت تصنف إلى فتح أبو مازن وفتح دحلان، والمفارقة أن الرجلين اللذين تحالفا سابقاً للانقلاب على حماس عقب فوزها في انتخابات المجلس التشريعي اليوم يخطب كل منهما ود حماس.
وفي الوقت الذي يحاول دحلان العودة للمشهد الفلسطيني من بوابة غزة، يستشعر أبو مازن هذا الخطر ويحاول قطع الطريق عليه من خلال التقرب لحماس وإغرائها بالمصالحة وحل أزمات القطاع التي تثقل كاهلها، ما يدفع باتجاه أن تحصد غزة نتائج ايجابية لهذا التنافس الفتحاوي.
حراك المصالحة
المعطيات السابقة إضافة إلى التحول الواضح في لهجة أبو مازن اتجاه حماس، والكلمات المتبادلة بين قيادة الحركتين، ترجح أنه قد يحدث حراكًا مهمًا في قضية المصالحة خلال العام المقبل، حتى وان لم تكن مصالحة بالمعنى الشامل.
كما أن قرب انعقاد المجلس الوطني إذا ما دعيت اليه حركتا حماس والجهاد ربما يكون المدخل الحقيقي للمصالحة، إضافة إلى الحديث عن مساعٍ عربية ومصرية تحديداً لعقد لقاء شامل للفصائل الفلسطينية في القاهرة.
وساطات الصفقة
من الصعب التنبأ بإمكانية عقد صفقة تبادل بين حماس والاحتلال الإسرائيلي في ضوء شح المعلومات والتعتيم المفروض على القضية، لكن بعض التصريحات التي خرجت في الفترة القليلة الماضية تشير إلى اهتمام إسرائيلي بالغ بقضية جنودها الموجودين لدى المقاومة.
وبعد أكثر من عامين على انتهاء عدوان 2014 كان واضحًا أن إسرائيل تحاول تحريك الملف بعدما بدأت أصوات أهالي الجنود تعلو وتطالب بالكشف عن مصير أبنائهم.
وقد برز الاهتمام الإسرائيلي من خلال محاولاته الحثيثة في البحث عن وسطاء خاصة بعد حديث الصحافة العبرية عن طلب حكومة الاحتلال رسمياً من الرئيس التركي رجب طيب أروغان التدخل لدى حركة حماس في قطاع غزة لإعادة الجنود الأسرى وابداء قبول الأخير.
كما بدأ الاحتلال بتشكيل لجان لمتابعة الملف وبحث السبل الأفضل للوصول إلى صفقة مع المقاومة، ما يعني أنه حتى لو لم يشهد العام 2017 إتمام صفقة تبادل لكنه سيكون عاماً مهماً على صعيد المباحثات والوساطات التي ستتدخل لإنهاء الملف.
المحيط الإقليمي
وأهم ما قد يقال في الوضع الإقليمي أن العالم مقبل على منعطفات كبيرة بدءً باستلام الرئيس الجمهوري الأميركي دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض، ومروراً بحسم او الاقتراب من حسم الكثير من ملفات المنطقة المشتعلة منذ سنوات، خاصة في سوريا والعراق واليمن.
وفيما يتعلق بعلاقة حركة حماس بالدول العربية فإنها ليست بمعزل عن هذه الملفات الملتهبة والتي كان لها تأثير كبير على طبيعة العلاقات الاقليمية الحمساوية.
مصر والسياسة القديمة
ربما أبرز تأثيرات الربيع العربي والمحيط الإقليمي على الوضع الفلسطيني كانت مع مصر التي شهدت عقب أحداث يونيو 2013 انقلاباً غير مسبوق في الموقف المصري اتجاه غزة بما تشكله لها من عمق تاريخي وجغرافي واستراتيجي وأمني.
ومن المتوقع ان يشهد عام 2017 تغييرًا واضحًا في العلاقات المصرية الحمساوية لن تصل إلى حد الحميمية لكنها على الأقل ستذيب الجليد والجمود الذي تخلل السنوات الثلاث الأخيرة وتعود إلى أشبه بما كانت عليه في عهد نظام مبارك، بمعنى علاقات متبادلة مبنية على المصالح الاضطرارية للطرفين.
هذا التغيير الذي بدأ تسير فيه مصر بقوة بعدما أدركت أن تركها ورقة غزة أضعفها اقليمياً وأن عودة العلاقة مع حماس ستكسبها قوة في العديد من الملفات التي بدأت تتسلل إلى أطراف إقليمية منافسة، فقد تبنت قطر بقوة ملف المصالحة، في حين طلبت إسرائيل من تركيا التوسط في ملف الاسرى، وهي ملفات كانت حركاً على الجانب المصري.
لذا تعود مصر اليوم بقوة لتؤكد أنها ما زالت البوابة الحقيقية للقضية الفلسطينية وكل ما يتعلق بها خاصة في قطاع غزة، وهذا ما يفتح الباب أمام عودة العلاقات المصرية الحمساوية وتخفيف القيود والحصار المفروض على الحركة والقطاع.
قطر وتركيا
لا يمكن الحديث عن تغيير واضح في العلاقات بين حماس وكل من قطر وتركيا، واللتين شكلتا خلال الفترة الماضية دعما واضحاً للحركة سواء على الصعيد المالي او السياسي.
ومن المتوقع أن تستمر هذه العلاقة الاستراتيجية بين حماس والطرفين، خاصة أن قطر تدعم بقوة قضية المصالحة الفلسطينية وتحاول ان تجمع فتح وحماس باستمرار إلى جانب جملة المشاريع الكبيرة التي تنفذها في غزة، في المقابل فان تركيا رغم اتفاقها مع الجانب الإسرائيلي الا أنها لم تتخلى عن علاقاتها بحماس وما زالت تضغط باتجاه تخفيف الحصار عن غزة، كما أنه يمكن أن تلعب دور الوسيط في ملف الأسرى.
السعودية وإيران:
شكلت العلاقة بين حماس وكل من الطرفين تحديًا خطيرًا خلال السنوات الماضية، فقد تمسكت الحركة بشعرة معاوية مع القوتين المتصارعتين، وذلك في محاولة منها للابتعاد عن لعبة المحاور والتحالفات المتصارعة في المنطقة.
ورغم نجاح الحركة الى حد ما في ذلك خلال السنوات الماضية، إلا أن العام المقبل والذي من المتوقع أن يكون عاماً حاسماً في الصراع المشتعل في المنطقة، فسيكون المحافظة على علاقات متوازنة بين حماس والطرفين معاً مهمة معقدة.
وفي ظل التوقعات بأن موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط تميل لمصلحة إيران، فمن المحتمل أن تتأزم العلاقات بين السعودية وإيران لدرجة نشوب حرب مباشرة بينهما، ما يعني ان الحركة ستكون أمام اختبار صعب وربما تسقط شعرة معاوية.
ورغم أن الأوضاع في المنطقة ما زالت بعيدة عن الاستقرار وهو ما ينعكس على الوضع الفلسطيني والعلاقات الحمساوية سواء الداخلية او الخارجية فإن المرجح أن العام القادم سيشهد حصاد لعشر سنوات من الصمود خاصة فيما يتعلق بجانب الحصار المفروض والعلاقات مع فتح ومصر.
لكن في المقابل فان الأوضاع الإقليمية المتدهورة والتي تقف على شفا هاوية قد تنزلق الى حرب طاحنة بحسب التوقعات، ما يعني ان الوضع الفلسطيني والعام المقبل في عمر حماس لن يكون اقل خطورة وحساسية عن سابقه، خاصة أن أي متغير إقليمي قد يقلب الموازين ويغير كل المعادلات القائمة، وستمتد تأثيراته إلى كل المنطقة وخاصة الساحة الفلسطينية الأقل تأثيراً والأكثر تأثراً.