لم يكن من سبيل الصدفة أن الكيان الصهيوني منح العام الماضي "جائزة (إسرائيل)" وهي أرفع جائزة رسمية للحاخام إيلي سدان، الذي بادر إلى تشكيل الأكاديميات الدينية قبل العسكرية"، وهي "الأكاديميات" التي سهلت من اختراق المتدينين للجيش الصهيوني على نطاق واسع.
فقد بادر سدان للاتصال بقيادة الجيش واتفق معها على تدشين مدارس دينية عسكرية يطلق عليها "الأكاديميات الدينية قبل العسكرية"، إلى جانب توظيف مدارس دينية ذات علاقة باستيعاب الشباب المتدين الذي يتجه للالتحاق بالخدمة العسكرية ويطلق عليها "يشفوت ههسدير"(أو مدارس التسوية).
ومع اتخاذ المرجعيات الدينية قرارها باختراق الجيش، فقد عملت على توجيه طلاب هذه المدارس للانقضاض على الوحدات المقاتلة وألوية الصفوة في الجيش من أجل استغلال غياب العلمانيين وضعف تمثيلهم وزيادة عدد الضباط المتدينين بشكل جذري.
وحرص الحاخامات القائمون على هذه المدارس على أن يسهم التعليم الديني، الذي تمنحه للطلاب في هذه المدارس، في زيادة التعبئة الدينية وتعاظم الحماس للخدمة في الوحدات المقاتلة، بالإضافة إلى تلقي جرعات مكثفة من التعليم المتعلق بالشريعة والفقه اليهودي.
وقد أقيمت حتى الآن اثنتان وأربعون مدرسة من هذا النوع داخل (إسرائيل) وفي المستوطنات اليهودية المنتشرة في الضفة الغربية والجولان.
وقد تبين للمرجعيات الدينية أن "مدارس التسوية" عاجزة عن توفير عدد مناسب من الطلاب المتدينين يحقق اختراقا أكبر للجيش والمؤسسة العسكرية.
ونظراً لتصميم المرجعيات الدينية على اختراق الجيش فقد فطن عدد من الحاخامات الذين سبق لهم أن خدموا كضباط كبار في كتائب مختارة ووحدات خاصة إلى إقامة نوع جديد من الأطر الدينية التعليمية التي تصلح لإعداد الطلاب المتدينين واقناع أكبر عدد منهم للتطوع للخدمة في الوحدات المختارة والخاصة، مع إحداث تغيير في المنهاج المقرر في هذا الإطار من أجل توسيع دائرة الاستقطاب وتحقيق أكبر جدوى من عمليات التجنيد لصالح التيار الديني.
وقد أطلق على هذه النوع من المدارس "الأكاديميات الدينية قبل العسكرية"، حيث أقيمت أول أكاديمية عام 1996 في مستوطنة "عيلي" المقامة شمال الضفة الغربية المحتلة.
وبخلاف "يشيفوت ههسدير"، فقد تقرر أن يتم تخفيف جرعات تعليم "الفقه" الديني والتركيز على دراسة أجزاء من التلمود والتراث اليهودي التي تبعث الحماس القومي المستند إلى الدين من أجل زيادة الدافعية للخدمة في الوحدات المقاتلة. وقد أقيمت حتى الآن اثنتا عشرة أكاديمية دينية قبل عسكرية، معظمها في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية؛ وذلك لأن هذه المستوطنات تعد معاقل للتيار الديني الصهيوني ومرجعياته.
ويقوم الجيش بتأجيل الخدمة العسكرية للطلاب في هذه الأكاديميات لمدة عام ونصف، حيث يتم خلال هذه الفترة تلقي التعليم الديني من قبل مدرسين أغلبهم حاخامات تقاعدوا من الجيش بعد أن خدموا كضباط في وحدات مختارة؛ وبعد ذلك يلتحق الطلاب بالخدمة العسكرية بنفس الظروف التي يتجند فيها المتجندون العلمانيون، حيث يخدمون ثلاث سنوات في وحدات عادية وغير متجانسة.
وقد كان رهان التيار الديني القومي على "الأكاديميات الدينية قبل العسكرية" في مكانه، حيث أصبحت هذه الأكاديميات تجذب المئات من الطلاب المتدينين كل عام، حيث يختار هؤلاء أن يتطوعوا للخدمة في ألوية الصفوة، كتائب النخبة والوحدات الخاصة، مما زاد من نسبة المتدينين في هذه الألوية والكتائب والوحدات بشكل كبير وبدرجة تفوق بكثير نسبة تمثيلهم في المجتمع الإسرائيلي.
وحسب بحث أجراه الدكتور روبين جال، الذي شغل منصب كبير الأطباء النفسيين في الجيش عام 1999، فإن هناك علاقة بين إقامة هذه الأكاديميات وزيادة الدافعية لدى الشباب المتدين للتطوع للخدمة في الوحدات المقاتلة؛ حيث قارن جال بين دافعية الشباب العلماني والمتدين للتطوع للوحدات المقاتلة في العام 1989 والعام 1996، حيث تبين أن 60% من الشباب العلماني تطوع للخدمة في الوحدات المختارة عام 1989، لكن هذه النسبة تدهورت إلى 48% عام 1996، بينما حافظ الشباب المتدين على نفس القدر من الدافعية، والتي تراوحت بين 80 إلى 90%.
ويرى الدكتور يجيل ليفي المتخصص في العلاقة بين الدين والجيش والمجتمع في (إسرائيل) أن تدشين المدارس الدينية العسكرية هدف بالأساس إلى تشجيع أبناء التيارات الدينية للانضمام للجيش، لكنها تحولت مع الوقت إلى وسيلة تحكم بها هذه التيارات سيطرتها على الجيش. ويوضح ليفي أن قادة الألوية والكتائب الذين يتلقون تدريسهم وتأهيلهم الديني الأولي في المدارس الدينية يحرصون على نقل القيم الدينية إلى جنودهم، كما فعل العقيد عوفر فينتور، قائد لواء جفعاتي. ويشير ليفي إلى أن القادة والضباط المتدينين يرون في الحرب ضد العرب حربا من أجل "الرب، ويتعاملون مع الجهد الحربي كتطبيق لفرائض الشريعة".