انتهت زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، للعاصمة المصرية القاهرة في زيارة لم تكن متوقعة على إثر الخلافات المتصاعدة بين الجانبين في الفترة الأخيرة، والتي كان آخرها منع السلطات المصرية القيادي الفتحاوي جبريل رجوب من دخول أراضيها.
العلاقة المتوترة بين الجانبين لم تمنع مصر من دعوة عباس لزيارتها والاجتماع مع رئيسها عبد الفتاح السيسي في خطوة وصفت بالضرورية للتشاور حول ما يدور الحديث عنه من صفقات ومخططات تطرح لتسوية القضية الفلسطينية والتي لا يمكن أن تجري بمعزل عن مصر التي تتولى ملفات فلسطينية مهمة مثل التسوية والمصالحة ووقف إطلاق النار.
ورغم الخلافات التي برزت بين رام الله والقاهرة خلال العام الماضي الا انه لا يمكن أن تصل للقطيعة، حيث يبقى الطرفان مجبرين على التنسيق فيما بينهم خاصة أن مصر تاريخياً عنوان الفلسطينيين في أي تحرك أو جهد سياسي إقليمي أو دولي.
وقد ظهر حرص السلطة على عدم تأجيج الخلاف مع القاهرة من خلال منع المسؤولين الفلسطينيين من توجيه أي انتقاد إلى مصر، وبذل الجهود، لإعادة هذه العلاقة إلى سابق عهدها.
ومن الواضح أن اللقاء يأتي في إطار التحضير للقمة العربية التي من المزمع عقدها في الأردن نهاية الشهر الجاري والتي تضع القضية الفلسطينية على سلم أولوياتها، والتي سيعقبها زيارة كل من عباس والسيسي لواشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
وتلعب كل من مصر والأردن دورا بارزا فيما يتعلق بالتنسيق والدفع باتجاه صفقة إقليمية كبرى بدعم أمريكي لتسوية عدة ملفات في منطقة الشرق الأوسط تبدأ بالقضية الفلسطينية، وهو طرح ليس بالجديد خاصة ان عدة دول عربية قد مارست ضغوط على عباس خلال العام الماضي لإجراء مصالحات داخلية فلسطينية تمهيداً لعقد صفقة أو تسوية تنهي الصراع.
ولا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه الأردن في عملية التنسيق بين جميع الجهات لتحقيق مصالحات عربية -عربية قبيل القمة التي تستضيفها، إضافة إلى مبادرة سلام أميركية مرتقبة بين الفلسطينيين و"إسرائيل" تستند إلى إطار إقليمي يضم مصر والأردن والفلسطينيين.
وتحدثت مصادر مصرية وفلسطينية أن المحادثات بين الجانبين تطرقت إلى الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والأفكار المتداولة في سبل استئناف عملية التسوية، خصوصاً في ضوء عضوية مصر الحالية في مجلس الأمن، والاتصالات التي تقوم بها مع الأطراف الإقليمية والدولية بهدف توفير البيئة الداعمة استئناف عملية التسوية، ودفع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للعودة إلى المفاوضات.
حجم التحركات في المنطقة تشي بأن هناك صفقة كبرى يجري الإعداد لها في الخفاء، ولم تضح ملامحها بعد، لكن تشير المعطيات أن إدارة ترمب تضع ثقلها في اتجاه تحريك ملف التسوية والمفاوضات بمشاركة أطراف عربية وإقليمية لضمان ممارسة ضغوط كبيرة على السلطة تمنعها من التراجع أو رفض أي اتفاق يطرح.
في المقابل يسعى الرئيس ترمب إلى حل الصراع الدائر في الأراضي الفلسطينية منذ عقود لاستعادة الدور الأميركي القوي في المنطقة، خاصة أنه سيحسب له منذ بداية عهده انه حقق انجازا تاريخيا لم يستطع الكثير من الرؤساء الذين سبقوه تحقيقه.
وما يثير المخاوف حقيقة هو أن الوضع الفلسطيني المنقسم والضعف الذي تعاني منه السلطة داخلياً واقليمياً قد يسمح بالقبول بأي تسوية حتى وان كانت خارج التوافق الفلسطيني أو أقل من السقف المسموح به فلسطينيا، خاصة أن امريكا بدأت تحرك أذرعها في المنطقة في سبيل الضغط على السلطة وتهيئة الأجواء للبدء في مباحثات جدية قد تنتهي بتصفية القضية الفلسطينية.
كما أن حل الدولتين الذي تتمسك به السلطة بدأت الجهات الأخرى تتحدث علانية عن تجاوزه والبحث عن خيارات أخرى أكثر واقعية بعدما قضت "إسرائيل" على فرص قيام دولة فلسطينية على الأرض، ما يفتح الباب أمام التكهنات حول شكل الصفقة المعدة وكيف سيقبل بها الفلسطينيون؟