قائد الطوفان قائد الطوفان

ما بين إحباط التفاهمات المصرية والمبادرة التركية.. عباس يفعّل لعبة المحاور

غزة-شيماء مرزوق

تلك العجلة التي انطلقت في القاهرة عجّ غبارها في الساحة الفلسطينية ووصل حتى دول الإقليم، بعدما انقلبت العلاقة ما بين حركة حماس ومصر بشكل كامل عقب التفاهمات التي جرت بين الطرفين بداية يونيو الماضي بدعم وتسهيل من تيار القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان الذي تربطه علاقات قوية بالطرفين المصري والاماراتي.

دلالات هذا التحول ظهرت في الشهرين الماضيين من خلال القيادة الجديدة لحماس في قطاع غزة برئاسة يحيى السنوار، خاصة مع العودة إلى الخصم القديم دحلان والذي شارك لأول مرة عبر الفيديو كونفرس في جلسة التشريعي التي عقدت في غزة يوليو الماضي.

التفاهمات التي كان من المفترض أن تحل جزءا كبيرا من المشاكل التي يعاني منها قطاع غزة على صعيد الكهرباء والمعابر والسفر والعلاج، رفعت من سقف التفاؤل لدى المواطنين بحلحلة الأزمات في القطاع، وذلك من خلال سلسلة التصريحات التي صدرت من مصادر رسمية في حركة حماس، وغير الرسمية عبر الكتاب والسياسيين المقربين من دحلان.

تلك المؤشرات سرعان ما انخفضت وحل محلها الإحباط نتيجة المماطلة وكثرة الوعود التي لم ير الغزيين منها شيئا، إلا أن الأيام التي جرى فتح المعبر خلالها الأسبوع الماضي وسوء التعامل مع المسافرين وحديث العالقين عن الاذلال وعدم وجود تجهيزات حقيقية على الجانب المصري من المعبر، وإعادة القافلة الجزائرية، أكدت أن السياسة المصرية اتجاه غزة لم تتغير.

وما زاد من حالة الإحباط تصريحات القيادي في حماس صلاح البردويل التي حملت الكثير من القلق "بأن كل ما جرى من تفاهمات هي وعود ولا نضمن تنفيذها".

هذا الإحباط يمكن القول إن مرده التكتيك الذي اتبعه رئيس السلطة محمود عباس مع قطاع غزة عبر سلسلة إجراءات لإفشال هذه التفاهمات، التي تحمل في مضمونها معنى واحدا أنه لن يترك غزة للمصريين إلا "عظمة ناشفة".

فرسائل التهديد بالعقوبات الجماعية والتهديد بالمزيد لم تكن موجهة لحماس موحدها فالطرف المصري مستهدف بها أيضاً، بحيث تشكل غزة عبئا كبيرا تخشى مصر أن تتحمله وحدها خاصة أن الصمت الإسرائيلي حيال هذه الإجراءات يثير مخاوف الطرف المصري بأن يتحلل الاحتلال من كل مسؤولياته اتجاه القطاع، فتتحول العلاقة من فك الحصار إلى وصاية وإلقاء كامل المسؤولية على مصر.

الزيارة الأخيرة لأبو مازن إلى مصر الشهر الماضي حملت الكثير من التعنت والعناد في مواقفه وقدم عدة تحذيرات قاسية وهو ما دفع مصر للتأني في تطبيق التفاهمات، وهو ما ظهر جلياً بتصريح الجانب المصري أن المعبر لن يفتح كاملاً إلا بعد استتباب الأمن كاملاً في سيناء، على عكس ما قيل سابقاً بأن الهدف من التفاهمات هو تحسين الوضع الأمني في سيناء.

وأمام هذه الحالة فإن المعطيات تشير إلى أن الدور المصري قد يقتصر في المرحلة القادمة على السماح ببعض المشاريع الإنسانية والاغاثية والاستمرار بملف المصالحة المجتمعية عبر لجنة التكافل المدعومة من مصر والامارات.

أبو مازن يدرك جيداً أن مصر لن تتخلى عن دحلان، لذا قرر تنفيذ هجمة مرتدة بتفعيل المحور الآخر وهو تركيا وقطر، فلجأ للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتوسط والضغط على حماس لإنهاء الانقسام الفلسطيني. هذه المبادرة التركية جاءت بطلب من عباس ويبدو أن الأولى بدأت تتحرك بقوة وبسرعة في الملف من خلال دعوة عباس لزيارة تركيا نهاية الشهر الجاري أي بعد أقل من أسبوع، وذلك لتحقيق عدة أهداف وهي:

أولاً: إعادة ملف المصالحة للواجهة، والعودة لدوامة المبادرات ووضع الشروط التي يظهر عبرها حماس كطرف معطل دوماً.

ثانياً: دق إسفين بين حماس وحلفائها التقليدين تركيا وقطر واللتين تبدوان في أحسن الأحوال غير راضيتين عن التقارب الحمساوي مع مصر والإمارات، فهو يحاول ان يضع حماس في أزمة حقيقية مع حلفائها، وتضييق الخيارات عليها أكثر، إما أن تقبل بالمصالحة وفق شروطه أو الدخول في مأزق مع تركيا وقطر.

ثالثاً: اشعال الخلاف داخل حركة حماس ذاتها في ظل عدم رضى قطاع واسع من مستويات الحركة عن التفاهمات الأخيرة التي جرت مع مصر ودحلان، وفشل هذه التفاهمات قد يؤدي لخلاف كبير داخل حماس.

وربما النقطة الأخطر أن عباس يلعب بذكاء على تماهي مصالحه مع تركيا وقطر في إبعاد حماس عن مصر ودحلان والامارات، فهو يحاول أن يجعلها تخسر أهم حلفاء لها في المنطقة، كي يصبح ظهرها مكشوف تماماً.

البث المباشر