لا تخطئ العين التباين والتباعد الحاصل بين إيران وحركة حماس رغم المحاولات الحثيثة من الطرفين للتقارب وعودة العلاقات القوية التي جمعتهما لفترات طويلة، لكن الرغبة هنا يضعفها الواقع الإقليمي، فطبيعية الصراع الدائر في المنطقة والازمات الإقليمية ما زالت تعيق ذلك التقارب المنشود.
لم يختلف موقف إيران من حماس والتي ما زالت تعتبرها رأس حربة المقاومة الفلسطينية وهو ما أثبته العدوان الاخير على غزة صيف العام الماضي، وعزز لدى حكام الجمهورية الاسلامية قاعدة راسخة وهو الا بديل عن حماس كقوة مقاومة في الاراضي الفلسطينية، في المقابل لا تنكر حماس أن ايران وفرت لها حضنا دافئا ودعما قويا يصعب ايجاد بديل عنه.
ورغم الرغبة القوية من الطرفين في إعادة العلاقات إلا ان الازمات الاقليمية وتموضع المحاور التي وصلت حد الصدام الدامي تعيق اعادة المياه الى مجاريها، ويبدو ان لعبة المحاور والتحالفات أدت الى وجود علاقات متقلبة بين حماس وعدة دول عربية.
لأشهر عديدة جرى الحديث عن زيارة مرتقبة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الى طهران الا ان الزيارة أجلت مراراً، ويبدو أن الظروف لم تنضج بعد لنجاحها، خاصة ان حماس بدت متروية لأبعد حد في زياراتها لأي من العواصم نظراً لحساسية الوضع الاقليمي والفلسطيني، لكن ما أثار غضب ايران هو الزيارة التي قام بها مشعل ورفاقه الى السعودية، فقد شن الاعلام في طهران حملة ضد الحركة وقيادتها عقب الزيارة، ومازالت ارتدادات الزيارة تشعل الغضب في الجمهورية الاسلامية، التي أصبحت في مواجهة واضحة مع السعودية على أكثر من جبهة أعنفها اليمن وسوريا.
المحلل السياسي ابراهيم المدهون أكد أن حماس وصلت لقناعة بان المقاومة تحتاج توحيد الجهود لمحاربة المشروع الاخطر في المنطقة وهو الاحتلال الاسرائيلي، وحاولت تحييد الازمة والاقتتال المستعر في ساحات مختلفة وقامت ببوادر حسن نية بلقاءات وبيانات واضحة تخص إيران.
ويرى أنه لو كان العقل المتنفذ في طهران معنيا بتعزيز مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتقوية حماس وتجاوز الدوائر الملغومة فعليه وقف كافة التصريحات التوتيرية والتقارير الصحفية التي تمس أيا من رموز الشعب الفلسطيني وعلى رأسه مشعل.
وخلصت دراسة حول علاقة حماس بإيران للباحث طارق أحمد حمود، من مركز الزيتونة للدراسات، إلى أن العلاقة التي ظهرت معالم لإعادة ترميمها بين حماس وإيران أواخر 2014، باتت تأخذ ضوابط تختلف عن تلك التي كانت قبل أربع سنوات.
وتوضح الدراسة أن حاجة إيران لحماس تتلخص في إثبات مصداقيتها الإسلامية والمقاومة، وفي إعادة بناء السمعة في منطقة تعد بحرا سنيا أخذ ينظر بسلبية إلى شعارات "الثورة الإسلامية الإيرانية"، وذلك بسبب الحرب التي اتخذت طابعا مذهبيا في سوريا والعراق، والاصطفاف المذهبي في البحرين واليمن.
وتؤكد الدراسة أن الاحداث الدائرة في اليمن أوجدت فجوة عميقة بين حماس وإيران وصفتها بالاستراتيجية في إشارة للاختلاف الطائفي، كما شكل استمرار لموقفها من احداث سوريا.
وتشير المعطيات ان عودة الدعم الايراني لحماس مع وجود كل هذه التباينات ما زال مستبعدا، كما ان عودة العلاقة لسابق عهدها غير وارد حالياً رغم رغبة الطرفين، فحماس ترغب بعلاقة جيدة مع إيران مع الحفاظ على التوازن في علاقتها الإقليمية في ظل التغير السعودي.
وفي ظل الحديث عن تعثر زيارة قيادة حماس لإيران يجري التنسيق لزيارة هي الثانية للسعودية خلال اقل من شهر ما يشير الى اصرار حماس على اقامة علاقات مع جميع الاطراف والبقاء بعيدا عن لعبة المحاور.
وليس مستغربا ان لعبة المحاور بدأت تدخل في طبيعة العلاقة بين حركتي فتح وحماس، فعقب الزيارة الاخيرة لحماس الى السعودية تسربت انباء عن زيارة مماثلة لرئيس السلطة محمود عباس، واليوم تحدثت تسريبات مصدرها مسؤول رفيع في القيادة الفلسطينية أن زيارة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني إلى العاصمة الإيرانية طهران، جاءت بإيعاز مباشر من الرئيس عباس.
ويسعى عباس بحسب صحيفة الرأي اليوم التي نشرت الخبر لكسب كل محاور المنطقة لصالحه، في خطوة اعتبرت ضربة جديدة لسياسة خصمه السياسي حركة حماس، التي تفتر علاقاتها بشكل أكبر مع إيران أحد أكبر الداعمين السابقين، ما يؤكد ان الوضع الفلسطيني والعربي اشبه بالرمال المتحركة وان الايام القادمة قد تشهد الكثير من المفاجآت.