قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: الإعلام.. وفلسطين.. وصناعة القادة

الكاتب: عماد عفانة
الكاتب: عماد عفانة

الكاتب: عماد عفانة

يقال في المثل الشائع للتدليل على قوة ونفاق الاعلام وقدرته على التضليل في آن واحد " إذا تبولت الحكومات على الشعوب، يأتي دور على الاعلام ليقنعهم بأن السماء تمطر".

فالإعلامُ، بمعناه الشائع هو قرين التضليل وتزوير الحقائق، وذلك بسبب تبنّي ما شاع عن الأجهزة الإعلامية الحكومية أو الحزبية بتبني أيدولوجيات أو خلفيات سياسية مختلفة، واعتمادها على الدعاية، أو التبشير، أو ما يُعرف باسم البروباغاندا.

تعود علاقةُ الشعب الفلسطيني مع الاعلام إلى القرن قبل الماضي وتحديدا عام 1876م حيث كانت تصدر الصحيفة الرسمية الأولى في فلسطين "القدس الشريف" باللغتين التركية والعربية، وذلك قبل أن تعرف مجمل الشعوب العربية الصحف بعشرات السنين.

فيما فتحت بريطانيا أول إذاعة في فلسطين في نيسان 1936 وكان اسمها "هنا القدس"، رغبة منها في تهدئة الخواطر وتحويل الجماهير المناضلة الثائرة عن أهدافها الرئيسية وهي إيقاف بيع الأراضي، ومنع الهجرة اليهودية، والحفاظ على عروبة فلسطين.

وساهمت هذه الإذاعة وخلافا للأهداف البريطانية في توعية الجماهير، وتفنيداً للأفكار المضللة التي كانت ترمي إليها السياسة البريطانية المخادعة.

 وكانت الأخبار، أيامَئِذٍ، تتحدّث عن أدولف هتلر الذي صنع منه الاعلام بطلا قوميا لدرجة دفعت الحاج أمين الحسيني لمقابلته، وصنع الاعلام المضلل المعجزة ليطلق عليه اسماً عربياً إسلامياً أصيلاً هو "الحاج محمد هتلر" الذي سيحرر فلسطين.

وفي أواخر الخمسينيات، راحت الإذاعاتُ المصرية، تصنع البطل القومي جمال عبد الناصر، الذي نفذ انقلابا عسكريا أطاح الحكم الملكي سنة 1952، وأَمَّمَ قناة السويس في 1956، ووقع اتفاق الوحدة مع سورية، وظلت تصفه بالبطل الذي سيحرر فلسطين رغم أنه هُزم في 67 واحتلت "اسرائيل" سيناء والجولان وغور الأردن.

ويتعمد الاعلام المضلل إغفال الأخطاء والخطايا، كما يغفل الهفوات، والتجاوزات، والجرائم التي تصدر عن الشخصية المصنوعة، ويركز على الإنجازات فقط ويقوم بتضخميها مهما تكن ضحلة.

وعلى ذات المنوال صنع الاعلام أبطالا وهميين أمام شعوبهم أمثال صدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي وعلي صالح وزين العابدين وحسني مبارك وغيرهم.

ويتجاوز الاعلام في إضفاء هالة البطولة على الشخص ليصوره ليس كبطل قومي للقطر المقصود بل بطل قومي للعرب لأنه سيحرر فلسطين مثلما حدث مع صدام الذي صور أنه لم يكن بطل العراق وحده، بل هو صدّام العرب، وصاحب "قادسية صدام"، وأم المعارك وقاهر الفرس.

 تماما كحافظ الأسد، فهو الأب، القائد، الأمين، المناضل، المُلَهَم. الخ الخ، ومثله حسني مبارك بطل العبور، وغيره وغيره.

إلا أن هذا الاعلام وكما أنه قادر على صناعة هالات البطولة الكاذبة حول الزعماء والقادة، وربطهم بقضية تحرير فلسطين التي تمثل حلم لدى العرب والمسلمين، فان هذا الاعلام في المقابل قادر على ابراز البطولات الحقيقية التي يصنعها كل يوم المئات من أبطال فلسطين الذين ينتشرون في مختلف ساحات النضال، إلا أنه لا يفعل، إما لقصور ذاتي فيه، وإما لقصور في الرؤيا لدى القائمين عليه.

ومع الثورة التكنولوجية الحديثة التي سهلت صناعة الاعلام كما سهلت توصيله لجميع المستهدفين أينما كانوا، تبرز أهمية الاعلام في تسليط الضوء على أبطال حقيقيين يعيشون بيننا ويمشون في شوارعنا أو يغيبون خلف قضبان الصمود ليكونوا قدوات ومنارات لأجيال بات لاعبوا كرة القدم أمثال ميسي ورونالدو قدوة لهم.

 

البث المباشر