قراءة - رشا فرحات
بين ثورتين تكتب مارينا نعمت سيرتها الذاتية والتي تحكي فيها قصة نجاتها من سجن "ايفين" بعد حكم إعدام كان صدر بحقها، وبوصف رشيق لتأثيرات عامين ونصف هما عمر التجربة التي قضتها في المعتقل على حياتها وانسانيتها.
بطلة الرواية هي الكاتبة نفسها، كانت في المرحلة الثانوية حينما اعتقلت واقتيدت الى سجن "ايفين" أحد أكبر السجون في العالم، واعنفها على الاطلاق، والذي تشبه قصصه الغامضة قصص سجن تدمر وأبو غريب.
وهناك في المعتقل تتعرف مارينا على صنوف من الألم والعذاب التي لم تكن لتخطر ببالها وكل ذلك إبان الثورة الإيرانية على شاه إيران، التي انتهت بنفيه وتولي الخميني الحكم، وما هي الا أشهر حتى بدأت سياسة الخميني القائمة على التفشي باعتقال كل من خالفه الرأي - وهم أيضا من خالفوا الشاه سابقا- واقتيادهم الى سجن "ايفلين".
وهنا تحولت الحياة كلها الى أبراج مراقبة، الكل يراقب الكل، والكل يتسبب باعتقال ومقتل الآخر. ومن كان معتقلا بالأمس في عهد الشاه أصبح اليوم جلادا في ذات المعتقل لمعتقلين جدد في عهد الخميني وكأن دائرة الاعتقالات والاعدامات كأس يشرب منها الجميع.
وكأن المبدأ الذي ساد في النهاية: هنا في هذه البقعة، لا تأمن لأحد، لا تتحدث، لا تعط رأيك لأحد، والا ستتحول فجأة الى سجين سياسي يحكم عليه بالإعدام لمجرد انه كتب رأيا في مجلة المدرسة كما فعلت بطلة الرواية، أو لأنه خط جملة على حائط في ليلة باردة كما فعل معظم سجناء "ايفين" من المراهقين والشباب أصدقاء مارينا، التي فقدتهم واحدا تلو الآخر في أحكام اعدام جائرة.
وهنا ومع بداية دخول مارينا الى المعتقل تتعرف على عليّ، الجلاد الذي كان أسيرا في عهد شاه ايران، فيحبها من النظرة الأولى، ويتوسط لها عند الخميني حتى تعفى من حكم الإعدام، ثم يحاول مخالفا أراء زملاءه، لإخراجها والحصول على اعفاء نهائي لها.
ويبدأ علي بمساومة مارينا حتى يتزوجها، ثم يجبرها على ترك دينها والدخول عنوة في الإسلام، ويهددها بأنه سيتسبب بالضرر لعائلتها إن هي رفضت الزواج منه، فتقبل.
وعلى الرغم من حبه الشديد لها، وصبره الدائم على كراهيتها التي تعبر عنها في كل وقت، وتحميله وزر موت أصدقائها على الدوام، يحاول علي بكل ما اوتي من فرص بأن يرضيها، فيستقيل من عمله الذي يقتنع في النهاية بأنه سبب لمشقة الكثيرين، ولكنها لم تقتنع يوما بأن أي عمل يمكنه أن يبرئ عليّ ويكفر عما ارتكبه من ذنوب بحق أسرى " أيفين".
تشعر معه بالراحة ولا تعترف، يحبها أهله وعائلته وتستشعر حنانهم عليها، وحب والديه وشقيقته لها يزداد يوما بعد يوم، ورغم ذلك لا تقوى على الاستمرار لشعورها الداخلي بالذنب كلما تذكرت من ماتوا وكان من المفترض أن تموت معهم، لكنها نجت بفضل ما قام به عليّ.
وفي النهاية يذعن عليّ لرغبتها ويستقيل من عمله اكراما لها، وربما اقتناعا بأنه لم يعد يقدر على تلوث يديه أكثر، ولأنه ذاق مرارة الاعتقال والسجن والتعذيب بنفس القدر وفي نفس المكان قبل أن يتحول إلى جلاد.
وعلى قدر حب عليّ لها، لم تستطع أن تسامحه على ما فعله أو على اجباره لها على تغير دينها والزواج منه.
ولم تطل الحكاية كثيرا، فبعد ان عرفت مارينا أنها حبلى يقتل عليّ على يد زملاءه ممن يختلفون معه في الرأي، فتعرف مارينا كم كانت مخطئة حينما اعتقدت أن هذا العالم يمكنه أن يحل كل مشاكله بدون قتل!
مات عليّ بعد أن أوصى والده بأن يعيد مارينا الى عائلتها، ويكمل إجراءات الإفراج عنها.
هذه الرواية ليست رواية ما رينا فحسب، بل رواية أجيال الثورة، الشباب الذين يحلمون بالتغير للأفضل، الذين يحلمون بواقع أجمل لأوطانهم، ليست رواية ايران وحدها، وانما رواية كل الثورات العربية وما خلفته من حروب وأوجاع وجراح لا تندمل.
فبعد أن كانت الثورة على شاه ايران علمانية ليبرالية يقودها العلماء والمثقفون، ظهر التيار الديني المتشدد الذي يقوده الخميني فانهارت أحلام أبناء الثورة التي انتهت بالسجن المؤبد أو بالإعدام، وتبدوا الخطورة أكبر لأن القاتل الإسلامي كان يعتقد أنه يسدي بقتله هذا معروفا وخدمة للقاتل.
والجميل ان الكاتبة عرضت تلك الأفكار كلها بموضوعية وحياد يظهر من خلال وصفها للإنسانية دون تشويه للمعنى الحقيقي للأديان.
وفي النهاية تعود مارينا الى عائلتها وتتزوج الشاب الذي احبته، ثم تهرب من طهران الى كندا بعد عدد من المحاولات والمعجزات التي تقدر لها الهروب في النهاية والنجاة.
رواية سجينة طهران ممتعة للغاية، سيرة ذاتية مكتوبة برشاقة وبأسلوب متميز وبمفردات تعلق في الذاكرة، كما أنها تعطيك فكرة لا بأس بها عن ثورات ايران، وما فعلته بالشعب الإيراني، والحرب العراقية وما خلفته في البلاد من جوع وحرمان وفقر، وما دفعته طهران ثمنا للمناكفات والاستعراضات السياسية، ببساطة هي رواية تستحق القراءة وستضيف لمعلوماتك الشيء الكثير.
ابقي ان نقول أن الكاتبة مارينا مرادي بخت أو مارينا نعمت، كاتبة كندية من أصل إيراني، مسيحية أرثوذكسية من طهران، وسجينة سياسية سابقة في سجن ايفين بطهران في عهد اية الله الخميني.
حصلت روايتها سجينة طهران الصادرة في عام 2007 علي جائزة الكرامة الإنسانية من البرلمان الأوروبي كما حصلت علي جائزة جرينزان المرموقة في إيطاليا. صدرت الرواية في كندا وكانت من أكثر الكتب مبيعا في عام 2007، فنشرت في 28 بلدا أخرى.